- أمّا وقد شب الغرور عن الطوق , فكان لازاما أن أترك الصمت للصمت وأتحدث اليوم على طريقة كبار الكتاب والكاتبات " المُتَمَقْلِبِــين" ..
قبل فترة من الزمن , عرفت احدى الفقيرات جارتها الثرية , والتي ذاع صيتها بأنها صاحبة أحبار وملكة ورق قبل أن تكون ملكة على ذاتها ..
أحبت الفقيرة التقرب منها بدعوى التعلم وغايات أخرى . فهي الأخرى ولسوء حظها كانت تمتلك الموهبة , لكن الزمن الذي نبتت فيه أصابعها لا يهتم بمفرزات الأصابع بقدر ما تهمه أولاً وأخيراً المناصب والمظاهر وأحياناً أخرى " شغل الحرامية "..
حدث أن أصبحت الفقيرة بعد زمن تحت ضغط مادي ما كبير , أجبرها على عرض مسألة بيع أصابعها لجارتها مقابل مبلغٍ مادي يعينها على حللة الأزمة ..لكن جارتها رفضت الفكرة ليس من باب الأمانة , فهي لاتثق في طريقة عبثها .لطالما ظنت بألا أحد يرتقي لأسلوبها الأدبي المختلف بحكم ماتسمع من " تطبيل " ..
خرجت " المشحتفه " تبحث لأصابعها عن مأوى , و" عشعشت " فكرة منافسة الجارة على مبلغها , لأمرين:
الأول : لمحايلة الأزمة , والثاني : للإنتقام..
ماكان من الأخيرة , إلا أن تقصت أثر عدوة جارتها الثرية , فهي الأخرى كاتبة في نفس الصحيفة و لها مؤهلات كتابية أكبر , ووعيها أـكبر , لكنها لم تحظ بما حظيت به الثرية لأنها أقل منزلة مالية ومعرفية , وأجمل الجميع أدباً ما أثار زوبعة الغيرة فصعرت الأقلام عنها ..
وفي محاولة للبقاء في الظل , استماتت الفقيرة أمام عدوة جارتها بحجة الحاجة , أخبرتها أنها مستعدة لأي اختبار إذا ماسلمتها عمودها الشهري ..لم تكن الكاتبة مقتنعة تمام القناعة بما طلبته خوفاً على مكانتها لكنها بالمقابل, تقدمت للصحيفة بطلب توظيفها بعد أن اختبرتها كتابياً في أكثر من مقال حساس, وكانت بالفعل مفاجئة ..
وافقت الصحيفة بعد لأي , بحكم أن الكاتبة " المشحتفة " ليست ذات خبرة , لكن " الواو " ترك لها مجالاً لابأس به للتنفيس عن حالها ..
في كل تلك الفترة التي عملت بها الفقيرة في الصحيفة , كانت تختبئ تحت اسم مستعار لئلا يكتشفها أحد وبالذات جارتها الثرية . لكن نجابتها , ومثابرتها ومهارتها في تقديم القضايا بشكل جديد أثار غيرة من حولها بمن فيهم الأستاذة " أنف " كما سأسميها ..
بدأت " أنف" بالبحث عن هذه الكاتبة الجديدة التي سحبت البساط من الجميع . من تكون ؟ وأين عملت لاحقاً ؟ وعلى يد من اعتلت منزلتها ؟ ومن أسلمها عمود أسبوعي مثلها ؟ وبأي حق!
كانت الأستاذة أنف صاحبة " قلم مزاجي " كما تصف به نفسها , تتحدث في اللقاءات عن قدرتها الكتابية " الواو " , وعن اكتشافاتها لقضايا حساسة جداً وبأن أفكارها مسروقة .. كانت تُقيم الصحيفة على ساق وقدم إذا وجه لها أحدهم كلمة تصب في صالح مقالها . تظن دائماً ألا أحد أبداً له الحق في التعقيب على ماتكتبه .. فالقلم الذي تملكه في منظورها الضيق ظاهرة كونية لاتحدث إلا مرة !
و لأن الكاتبة الجديدة بدأت تستحوذ على أنظار الجميع , استخدمت الأستاذة " أنف " نفوذها في كشف المستور , وكانت المفاجئة!
ذات صباح , فوجئ الجميع بمقال للأستاذة أنف , ترشق فيه الكاتبة المستجدة تعقيباً على مقال سابق لها , وتضمن الأسطر بعضاً من التهكم , والسخرية , والاستهزاء كثيراً ونعتها بألقاب غريبة .. لم تقف عند ذلك الحد من الغضب , بل وتعدته للمسؤولين , وإفشاء ماجاء من أمر الكاتبة وأنها ليست إلا منتحلة . الأمر الذي عرفه الجميع مسبقاً وتكتموا عليه , فيما ظنته بحماقة اكتشاف تستحق عليه الثناء ..
حدث وأن طُردت المغلوبة من منصبها فـــ " لجل عين تكرم مدينة " . لكن ألف جريدة كانت قد فتحت لها نافذة عاجية , وأخرى أهدتها أقلاماً من ذات "الخامة" والفخامة , وثالثة تركت لها الأعمدة للمراشقة عن بُعد من أجل الفوز بحصانة الكلمة الأخيرة ...
" كيبوردية سريعة فاعذروا أخطاءها " ..