كيبوردية [ جنونية ]
ما سيأتي ليس وحياً من خيال ... إنما هو واقعٌ عشته قبل ساعاتٍ قليلة ...
المشهد الأول :
قاعة زواج انفرط عقد الفرح فيها بمغادرة المدعوين أكثرهم و لم يبق إلا أقل القليل ...
المشهد الثاني :
شاب [ من أقاربي ] يكبرني بخمس / ست / سبع سنين يجلس في ركنٍ قصيٍ وحيداً ...
المشهد الثالث :
أجول في القاعة هنا وهناك أبادل هذا تبريكاتٍ و ذاك تحياتٍ و ذاك عتاب و ذاك ... الجالس أراه وحيداً ... أقترب منه ... أحييه ... أجلس بجواره ... اشتقت لظرفه / فكاهته ...
أقول له : ما بك ؟
يقول : [ لا شيء ] يتبعها بتنهيده ...
أقول له : لا تهمني الأولى ... إنما تعنيني التنهيدة ...
يقول : تنهيدتي أكبر من أن تستوعب بعقلك الصغير ...
أعْدِلُ جلستي
و أقول : و ما يدريك ربما يستوعبها رغم صغره ؟
و بعد طول سجال و حوار و مقدمات ...
قال : بعد أن تستمع لي أرجوك لا تقل أني مجنون أو بي مس ...
قلت : أنت أعقل مني ...
قال : أنا سأكون شيئاً عظيماً ... ستخبرك الأيام ... سيحتفى بي في كل محافل الأرض ... هل تعلم أني الآن مراقبٌ من دول الأرض كلها .. و من قادتها ... هل تعلم أن في السماء ثلاثة أقمار تراقب تحركاتي كلها ... هل تعلم أن الكون كله يتحدث عني الآن و أنا أحادثك ... كل وسائل الإعلام [ الصحف / القنوات / الإذاعات ] تترصدني الآن ...
و الدهشة تخترق عقلي و عيني تكاد تقفز من هول ماتراه من حماسةٍ و انفعال و يقين و اقتناع ...
قلت : مهلاً ... دعنا نتكلم بهدوء و عقلانية ... لماذا يراقبك أهل الأرض ؟ و لماذا لم أشاهدك في أي قناة أو صحيفة ؟
قاطعني بشدة : أنت لا تدرك ما يقال و لا تفهم ما يكتب حتى ... اقرأ ما بين السطور ... كل مقالات الصحف عني ...
قاطعته بشدة هذه المرة : أنا أقرأ المقالات يومياً و لم أقرأ اسمك أو حتى من يتحدث عنك ..
قاطعني بإصرار : أنت لا تفهم هم لا يكتبونها بصراحة ... هم ليسوا أغبياء ... أنت جاهل ... كل مقال هو عني أنا ... و كل خبر هو يقصدني ...
أكمل و بحماسته : لن تصدق و ستقول عني معتوه لكني لست كذلك ...
هل تعلم أني شيءٌ كتبه الله في القرآن ؟؟ هل تعلم أني أنا [ البشير النذير ] و أنا [ لذو حظٍ عظيم ] و أنا ... و أخذ يسرد علي آيٍ كثير ...
قلت مهلاً مهلاً : هذه الآيات لكلٍ منها تفسير و لم أرى اسمك في أيٍ منها ... [ البشير النذير ] هو الرسول الكريم ... و ارجع لتفاسير الآيات التي سقتها لي لتتأكد أنها ليست لك ...
قال : أنا [ النذير البشير ] و المفسرين يكتبون لكم كلاماً و هم يقصدونني بكلامهم ... هل تعلم أن أجزاء كثيرة من القرآن تقصدني ؟؟
قلت : لنفرض أنها تقصدك ... لم قلت أنك [ النذير البشير ] و لم تقل أنك المقصود بـ [ تبت يدا أبي لهب و تب ] ؟
قال : لا هذه في شخصٍ كافر و أنا مسلم ...
قلت : يا صديقي أنت رجلٌ عاقل و أبٌ لطفلتين ... من أوحى لك بهذه الأفكار ؟
قال : أنت شخصٌ جاهل و سترى عندما تأتي إرادة الله ...
كنت أعلم أنك لن تصدقني ... و سأذكرك حينها ..
قلت : يا صديقي هل تدعي النبوة ؟
قال : لا
قلت : هل يكلمك جبريل ؟
قال : لا
قلت : من قال لك أنك ستكون مهدياً منتظراً ؟؟
قال : انتظر و ستعلم صدقي و ستندم على تكذيبي ..
قلت : صدقني سأكفر بك
قال : ستندم
قلت هل ستدخلني النار أم الجنة ؟
قال : ربنا يدخلنا ما يشاء ...
و قال : هل تصدق أن كل قصائد سلطان الخير هي تقصدني ؟
قلت : من الذي كذب عليك ؟ هي في مدح ولي العهد و ما دخلك أنت ... و أنت شخصٌ مغمورٌ إلا لأقاربك ..
قال : أنت جاهلٌ سطحي عامي ... لا تفقه شيئاً أبداً ...
و قال أيضاً : هل تعلم أن لي روحٌ أخرى في مكانٍ ما في الأرض ؟
قلت : هل أنت صوفي و تقرأ كتب الصوفية ؟
قال : أنا لا أقرأ الكتب و لا تهمني ... كلهم سيعلمون أني المهدي المنتظر و أني أنتظر أمراً سماوياً يخرج روحي و يبدلها بالروح الأخرى و كلكم سترون ...
طال الحوار و طالت محاولة الاقناع ، و قلت له أني سأتبعه و سأكون من مخلصيه إن أقنعني ... لكن دون جدوى .. إصرارٌ و اقتناعٌ بما يقول ...
دهشت كثيراً لحالته و تفاجأت لأفكاره و إيمانه العميق بها ...
أول تفسيري لحالته أنها نوع من جنون العظمة أصابه أو نوعٌ من انفصام الشخصية جعلته يتذبذب بين شخصية حقيقية عادية و أخرى وهمية ...
و لأجله التقيت أحد الزملاء الأخصائيين النفسانيين قبل قليل و أطلعته بالأمر فأخبرني بأن الأمر يحتاج لمعاينة و جلسات نفسية قبل تدهور الحالة ... و أنها ربما تكون انفصام شخصية أو هلوساتٍ و اضطراباتٍ عقلية ...
كتبت هذه الكيبوردية ... ليس على سبيل السخرية و لا على سبيل التندر ... بل على سبيل التأمل .. لحال شابٍ انقلب على ذاته فجأة و بدون أدنى مقدمات ...
شفاه الله و رفع عنه و أعاده لظرفه و فكاهته و ابنتيه و أمهما ...