السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
.
/
.
بإختياري..!
تأليف: إبراهيم سلطان
.
/
.

"مسكين هذا العصفور يا أبي إنه يعيش يومه وحيداً و حزيناً في هذا القفص." أسمع هذه الكلمات دائماً ، و أنا كلي شوق لمغادرة هذا القفص و التعرف على العالم الخارجي ، منذ أن ولدت و أنا لا أرى سوى هذه القضبان و هذا الرجل الذي يخرج أحدنا عندما يطلبه الآخرون من جنسه ، و أرى بقية العصافير الحزينة مثلي.
ليتني أعرف مايوجد بالخارج ، أمنية الخروج من القفص هي أمنيتي الوحيدة منذ ولادتي ، و في أحد الأيام اشترتني فتاة صغيرة كانت معجبة بألواني الزاهية و بتغريدي الذي لا أملك غيره للتسلية ، أخرجني الرجل الأسمر- الذي يخرج أحدنا دائماً- من قفصي ووضعني في قفص ذهبي كبير و جميل ، ولكن لا جديد فيه: قضبان ، طعام و ماء كقفصي القديم ، ثم قدمني إلى رجل كبير كان برفقة الفتاة المعجبة بي ، أخذني الرجل الكبير إلى الخارج .. أجل الخارج لأول مرة .. يااه ما أجمل هذا العالم ، ما أجمل هذه الحياة ، ما أجمل السماء التي أراها للمرة الأولى، ما أجمل هذه الأشجار التي لم أراها من قبل إلا بتلفاز المحل، أريد الإنطلاق و استكشاف العالم و لكن مهلاً..! هذا القفص الكبير بدل الصغير وهذه الفتاة البضاء الصغيرة بدل الرجل الأسمر الكبير، أف دائماً هناك مايحيل بيني وبين هذا العالم ، يبدو أن ما أمنية الخروج ستظل أمنية مستحيلة سأظل أتمناها إلى أن أموت في هذا القفص.
وصلنا إلى مكان عيش الفتاة و هو أكبر بكثير من المكان الذي أعيش فيه برفقة الرجل الأسمر ، مسكت الفتاة القفص بفرح و أخذتني جارية إلى غرفتها وضعتني و هي مبتسمة بجانب النافذة ، ثم تحدثت إلي بكل براءة قائلة: أهلاً بك ياعزيزي ، أنا مسرورة لأننا سنصبح صديقين ، لكن ياترى ما أسمك .. ما أسمك؟ أضحكتني الفتاة بسؤالها و ببرائتها الشديدة فأخرجت تغريدي المعتاد: صوصوصو ، ابتسمت الفتاة و ارتسمت علامات الرضا على وجهها الملائكي الصغير و قالت : أجل .. سأسميك صوصو ، أعجبني إختيارك كثيراً ، و من الآن و صاعد يا صوصو ستعيش معي في غرفتي و سأخبرك عما يحدث لي كل يوم و ستكون من أعز أصدقائي بالتأكيد ، و بينما الفتاة منهمكة بالثرثرة البريئة معي صرخت عليها والدتها طالبةً منها الإستعداد للخروج من المنزل.
خرجت الفتاة من الغرفة و تركتني في قفصي وحيداً لا أملك ما أتسلى به و الحمدلله أن الفتاة وضعتني بجانب نافذتها المفتوحة لأستنشق قليلاً من هواء العالم الخارجي الذي طالما حلمت بإستنشاقه ، جلست أتأمل منظر الحديقة و المنازل من النافذة ، أمنية الخروج أصبحت تراودني أكثر و أكثر و جلوسي في القفص أصبح لا يطاق ، و فجأة مر من أمامي عصفور صغير يحمل مثل ألواني الزاهية ، غردت منادياً له ، فوقف على طرف النافذة المفتوحة ، طلبت منه المساعدة في إخراجي من القفص، فابتسم لي مؤكداً إنها دقائق و سيعود بالمساعدة ، و لم ألبث إلا و هو قادم برفقة طائر الببغاء الذي اشتهر بمهارته في فتح القفص، ففتح لي القفص بكل سهولة.
يا إلهي .. أكاد لا أصدق عيني لأول مرة أرى الحياة لا قضبان و لأول مرة أستطيع الطيران بلا سلاسل تقيدني ، شكرت الببغاء و العصفور و حلقت بالسماء لأول مرة ، نعم حلقت بسماء العالم الخارجي و استمتعت بالهواء العليل و بمنظر الحدائق و البيوت ، حلقت لساعات و أنا لا أصدق إني إنطلقت للخارج أخيراً ، حل المسـاء ، و شعرت بالجوع و العطش الشديد ، ولكن أين الحبوب و أين الماء ؟ فهما في العالم الخارجي لا يقدمان لي و من الواجب علي أن أبحث عنهما ، شدة التعب التي أشعر بها من كثرة الطيران أنستني الجوع و العطش و شعرت برغبة شديدة في النوم ، و لكن لا مكان أنام فيه .. بحثت طويلاً فلم أجد سوى جذع السدرة الكبيرة لأحتمي به من البرد و لكي أنام بامان ، مت و أنا خائف في ذلك اليوم ، لأن هناك أصوات لم تجعلني أنم مرتاح البال و في هدوء كهدوء القفص ، استيقظت صباحاً فذهبت أبحث عن الطعام و الماء ، الطعام بحثت عنه طويلاً فلم أجد سوى دودة صغيرة تسد جوعي ، و أما الماء فلقد شربت ماء المجاري الملوث ، بالحقيقة إشتقت للحبوب الشهية و للماء العذب ، و بينما أنا أحلق قريياً من أحد البيوت هجم علي حيوان ضخم ذو عيون خضراء و شعر أبيض كثيف ، كان يصرخ و بشدة : مااااو مياااو أريد أن أكلك أيها العصفور السمين ، الحمدلله إستطعت الهرب و التحليق بعيداً عنه ، في القفص لم يكن هناك مايهجم علي و يرعبني كما يحصل بي بـ " العالم الخارجي الجميل" الذي طالما تمنيت العيش فيه و التحليق بسمائه ، ولكن من المستحيل أن أعود للقفص ، فأنا لم أستكشف كل مكان ، ربما يوجد مكان أعيش فيه بأمان و أحصل على الماء و الطعام فيه بدون تعب ، حلقت لأيام و أنا أبحث عن مكان مريح ، و لكني عانيت طوال هذه الأيام ، فتارة الأولاد يرشقوني بالحجارة ، وتارة يريدون اصطيادي و هذا فضلاً عن معاناة البحث عن الماء و الطعام و معاناة الأماكن التي أنام بها ، بعد معاناة طويلة و تحليق لأيام ، وصلت لإحدى الدول العربية المجاورة لدولتي التي كنت أعيش فيها ، ظننت إنها ستكون ملاذاً لي و لكني صعقت لما رأيت فيها ، فلقد رأيت الناس يشهدون أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله لكنهم يفعلون مايغضب الله و يغضب رسوله، يفعلون مايغضب الباريء المصور الذي عرفته بفطرتي ، لم أجلس بهذه الدولة بعد ما رأيته ، خفت أن ينزل الله بهم العذاب و يزلزل مدينتهم ، و أنا لا أزال عصفوراً صغيراً أريد الإستمتاع و استكشاف " العالم الخارجي الجميل " ، وبعد معاناة أطول و أصعب وصلت لإحدى الدول العربية و لكني لم أستطع الجلوس بها من هول ما رأيت ، رأيت قوماً يقال لهم بني إسرائيل ، يريدون إغتصاب أرض ليست لهم ، هوايتهم هي قتل الأبرياء و المساكين و تدمير البيوت و قلع أشجار الزيتون الجميلة ، متناسين العدالة الموجودة بالسماء و متناسين إن الله لن يضيع حق هؤلاء الأبرياء ، تركت هذه البلاد و أنا كلي يقة بأن الله لن يضيع أرض الزيتون ، و أنها لابد ستعود للمسلمين قبل قيام الساعة ، تركت أرض الزيتون و بعد معاناة كادت تودي بحياتي وصلت إلى مدينة اسمها " بغـداد" ، بغداد كانت مدينة جميلة تحمل أجمل نهرين بالعالم و تحتضن أرقى الحضارات التي مرت بالعالم على مر العصور ، و لكن أهلها يتنازعون و يتحاربون و أنا لا أعرف السبب و لكن هناك قوماً من البيض يرتدون ملابس بنيـة ، يشاهدون مايحصل وهم يضحكون ويقولون : كم هم مجانين هؤلاء العرب ، يتحاربون من أجل مذاهبهم ، لقد تعددت مذاهبنا نحن المسيحين و لم نفعل مثلهم.. يالغبائهم ..!
رأيت كل هذا و علامات الإستفهام كانت تدور برأسي ، تركت هذه البلاد لم أعرف إلى أين أذهب فهذا " العالم الجميل" مليء بالقتل و الدماء و المعاناة ، سأعدود لإلى قفصي فهو أرحم بكثير مما أراه ..
أنا الآن أعيش حياة جميلة داخل قفصي ، بعيدة عن الخوف و الظلم و الدماء ، بإختياري خرجت و بإختياري عدت ..! و لا أعتقد إني سأفكر مرة أخرى بالخروج ، العالم الخارجي جميل من زجاج المحل و من نافذة غرفة الفتاة ، ولكن صدقت الفتاة الصغيرة عندما قالت : المظاهر خـداعة !!
.
/
.
مودتــــــي
ابراهيم سلطان : )