بالأحـــضـــان - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
؛؛ رسائِل للغائِبين ؛؛ (الكاتـب : رشا عرابي - مشاركات : 402 - )           »          محاولات بائسة في مقهى .. (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 2 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : رشا عرابي - مشاركات : 75385 - )           »          ...نبض... (الكاتـب : رشا عرابي - مشاركات : 4693 - )           »          نستحق أن نكون سعداء! (الكاتـب : ندى يزوغ - مشاركات : 0 - )           »          وَبَقيَ الحمام عَلَى عهدِهِ ** نادرة عبد الحي (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : ندى يزوغ - مشاركات : 23 - )           »          وش عاد لو عاد (الكاتـب : يوسف الذيابي - مشاركات : 75 - )           »          حين يتصالح العقل مع العجز ! بقلم ندى يزوغ (الكاتـب : ندى يزوغ - مشاركات : 0 - )           »          في متاهات الزمن (الكاتـب : فهد ضيف الله البيضاني - مشاركات : 4 - )           »          ليتني،،ليتهم..! (الكاتـب : عثمان الحاج - آخر مشاركة : رشا عرابي - مشاركات : 302 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي

أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا .

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-23-2019, 03:06 PM   #1
صالح اهضير
( كاتب )

افتراضي بالأحـــضـــان


محمولا على هودج الشوق، ترجل من صهوة الأسفار لتعانقه المدينة العائمة بالأحضان مطوقة إياه بابتسامة دافئة احتفاء بروعة القدوم.. صافحته على الفور هبات من عبق نسائم البحر مُنسلّة إلى دخائله لتملأ الصدر بالانشراح والسكينة .. حفاوة بالغة لم يعهد لها مثيلا.. !!
ابنه البار لديه سابقة عهد بالمكان.. يمشي بمحاذاته الهوينى نزولا على أدراج المنحدر الإسمنتي المجانب للمياه البلورية .. الممر تتخلله حواجز الجسور الصامدة من عهود قديمة.. يخترقان الزحام الذي بدأت تشتد وطأته في عز الضحى في متاهات الدروب والممرات الضيقة .. يقتنيان تحفا من معروضات المتاجر والباعة وينعمان بمشروب قهوة "الكابتشينو" الصباحي ذي النكهة العالية ولذيذ فطائر"البيتزا" المغرية بالاشتهاء . وجوه من شتى البقاع تشع نضارة تجوب المكان بكثافة.. تتدافع بالأكتاف متلامسة برفق وتؤدة وتبادل لعبارات حافلة باعتذارات رقيقة .
كل الأشياء والذوات هنا مهما بدت للناظرين تافهة وصغيرة وغير ذات قيمة لها مكانتها وفعلها المؤثر في النفوس والموجودات عامة.. وأنَّى لها ألا تكون كذلك وهي خالقة الذكرى القابعة في الأعماق وَمُعِدَّتُهَا للمقبل من الأيام..؟ إنه بدونها يسود الفراغ والتلاشي وتعشش على أنقاضها العبثية ..
في وقت من الأوقات تساءل في غور دخيلته : كيف لهذا البحر ألا يسعد بهذا الحيز المكاني الرابض في الأحشاء..!! كيف للجوهرة أن تنفلت من عقده ليستحيل إلى بحر موحش ومقفر على وقع صمت رهيب ، وعلى شطه ترعى أسراب وأسراب من البطاريق، وطيور النوارس تجتاح فضاءه مولية وجهتها شطر الآفاق البعيدة بلا توقف أو مجرد تحية ونظرة عابرة…
تناهىت إلى مداركه في اقتناع انه والبحر توأمان ملتحمان يغرقان في خضم الوجد والهيام لذات المعشوقة.
المياه الدافقة في عرض القنال وبين الدروب والأزقة تنساب مزهوة كأفاعٍ انسلخت للتو من جلدها القديم.. تسكنها أرواح خيِّرة لتغمر الكائنات الآدمية بالبسمات وتجلو الهمّ عن الذوات البئيسة....
تعلقت أنظاره في إعجاب لا يُضَاهَى بالمراكب الحافلات وهي تبتلع حشودا من الغادين والرائحين على السطح المائي الصقيل كتماسيح هائجة تروم إلى التخلص مما في بطونها من حمولة... شدته قوارب صغيرة زاهية تدب دبيبا في خفة وخفوت حاملة أجسادا تطفح أوجهها بالبشر..
قال الابن البار موضحا بعد أن أدرك مرمى النظرات الفاحصة المتسائلة:
- تلك الجنادل في الأغلب مراكب للخُطَّاب والعشاق وَمُمْتَطًى لمن هم حديثوعهد بليلة العمر..
ليلة العمر...؟ ! هزت العبارة كيانه وحملته أفراس الذكرى إلى ما بعد ليلة العمر بأمد قصير.. تمنى لو يعود به الزمن القهقرى لينعم بهذه المتعة الماثلة أمامه وإن لثوانٍ معدودات..
احتوته الساحة الكبرى "سان ماركو".. تصميم بديع بأيد مهرة في قلب المدينة .. بدت مختنقة بحشد عرمرم من الزائرين .. أصناف من طيور بحرية تحلق في العلياء مغردة أنشودة المساء ، وبعضها يحط الرحال بين أقدام الراجلين على أرضية الساحة الرخامية الفسيحة ترفرف بأجنحتها مزهوة بلقاء العشيرة.. وأخرى كالحارس الأمين تربض في سكون فوق قمم المباني الأثرية من أبراج وأقواس كبيرة وكنائس تمتد في الفضاء شامخة شموخ الأمجاد الرومانية..
سيمفونية الفصول الأربعة لـ" انطونيو فيفالدي" تشرئب بجيدها من عمق التاريخ تصدح في في الأجواء بوصلات من الفن الراقي البديع ، تؤديها فرق من جوقات موسيقية في مدخل المقاهي المتراصة في أروقة الساحة لتستجلب بها روادا ينعمون بما لذ وطاب من صنوف المشروب والمأكول على وقع اللحن الجميل..
هو بذاته يذوب ولعا في آفاق سمو روحي هو المسكون وجدانه بالنغم الأصيل والجمال الأخاذ..
انسل قرص الشمس متداعيا نحو الأفق وآذن الركب بالارتحال.. قال الابن البار وقد أدرك من ملمحه الممتقع ما يسري في أوصاله من رعدة الهجر :
- البندقية يا أبي تحفة العاشقين.. حضن وديع ساعة الوصال وحرقة ولوعة لحظة الفراق..
في اتجاه محطة المراكب ، أحس بقوة جاذبية خفية للمكان وقد بدأت تفعل فعلها.. انتابه شعور غريب كما لو أن شيئا ما يشده للخلف.. تثاقلت خطواته وكاد أن ينصاع في خنوع لمفعول هذه القوة لولا إصرار الابن البار على السير في الاتجاه الأمامي..
استقلا مركبا يتمايل رقصا بفعل تيارات تجرفه بلطف ووداعة.. يُسمع هدير محركه القوي فتخاله صوت إقلاع لطائرة.. تبدو البنايات والدور من خلال النوافذ الزجاجية شبه غارقة ..يفرغ المركب محتوياته على الرصيف البحري ..
يدلفان في اتجاه الحافلة الرابضة هناك غير بعيد عن الأرجاء.. تشيّعهما عرائس المدينة الساحرة في مشهد غير معهود لا يوصف...
.

 

صالح اهضير غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:52 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.