كم من الأصحاب مروا بنا ؟كم من الأحباب جاءوا على غير موعد أوفي أوقات حرجة؟ وكم من الأحبة ذهبوا دون التفات إلى الوراء؟كم من رفقة ألفناها وفقدناها؟وكم من رفقة ما زلنا نحنّ إليها ونشتاق في أسى شفيف، ورغبة مكنونة للوصال؟.
ترى ماذا تمثل لنا الرفقة كبشر نعيش ظروفا مختلفة وقاسية،مرهقة وأنانية،قاتلة وغريبة ،الرفقة شئ ما ينغرس في وجداننا، يحثنا على التمسك بالأمل ذات عتمة يمكن أن تعمى البصر والبصيرة معا،ويأخذنا ذات انتكاسة نفسية إلى عالم أرحب وأكثر اخضرار،ألوانه تعج بالفرح،وهواؤه نقيا ليس كأي هواء إنه الهواء الذي تحتاجه الرئتين كما يحتاجه العقل على السواء.
الرفقة دوما هي الحل الأمثل لكل أزماتنا،لكنها حين تنهار تغزونا بالقلق والخوف والحذر، هي كالأزمات حين تحتل أوقاتنا فتغير بوصلة التفكير إلى أكثر من درجة اعتدناها أو ألفناها،إنها تفوق درجة الغليان ذاتها،هي الوعاء الذي يحتوينا بدفء غير معهود،وهي النار التي تكوينا بجمر يأكلنا من الداخل حتى يتحول إلى أزمة مزمنة لا نملك القدرة على مواجهتها لأن فقد الصديق مرارة لا تعادلها مرارة خاصة إن كان هذا الصديق هو ((الوجود)) بكل معانيه، طهره،وشفافيته.
كثيرا ما فقدنا أصدقاء ، وكثيرا ما ندمنا على معرفة بشر ولجوا في أرواحنا دون استئذان فسلّمناهم عواطفنا ومشاعرنا الجياشة واقتسمنا معهم لحظات الحب والحرب،الكره والسعادة،القلق والخوف،كنّا هم،وكانوا نحن،في توليفة إنسانية غريبة تحلق بنا ذات فرح،وتصدمنا ذات فقد،وحين نفقدهم يملأ أجواءنا السواد فلا نعود نسأل عنهم رغم أنهم رابضون في أرواحنا فقد اعتدناهم كما اعتدنا كل الأشياء الجميلة من حولنا،نفقدهم،ونعود،يفقدوننا ويعودون إلى أن تذبل أوراق الرفقة بغتة دون أن نشعر أو يشعرون،هل يعقل أن محطاتنا النفسية صدئة إلى هذا الحد؟ يبدو أن الأمر لا يخلو من كل ذلك العجين البشري فكله فراق ، وجلّه ألم، رفقة.. وحرقة متساويان في ثقافتنا الذاتية.
بعض الصداقات تملأ حياتنا بالفرح لكنها تقضي علينا بتصرفات غير مبررة أحيانا، وأحيانا غير معقولة، وربما وهذا ما يفسر انتهاء بعض العلاقات نتيجة سوء فهم أو فهم سيء ، وعدم مقدرة على احتواء الآخر مهما بلغت درجة اقترابه منّا أومن عالمنا الخاص.
إن أجمل صداقتنا تلك التي شهدت أول حالات اللجوء إلى الآخر كالملاذ ، لذا كانت صداقات الطفولة هي الأنقى والأجمل، والأكثر تعبيرا عنا ، والأبرز حضورا في ذاكرتنا قد لا نتذكرها ذات موقف لان المواقف ذاتها تغيرت،والزمان غير الزمان لكن قد تذكرنا بها لحظة لقاء عابر ذات فرح أو ذات حزن،أو حين يجمعنا الزمن على حين صدفة لم تكن في الحسبان ،عندها فقط تسقط دمعة وله… كانت محجوبة لسنوات عن الرائي،ومدفونة في الأعماق كسرٍ عصي ِ على الفهم.
وإن كان ذاك الرائي هو رفيق العمر الذي تخيّلناه واختزلنا معه سني العمر دمعة مضت،أو فرحة طافت بعالمنا ذات ذكرى كالتهيؤات والأحلام والأماني، ما أجمل رفقة الصغار،الطهر،النقاء ،وما أحوجنا لتلك الصداقات اليوم…حيث فقدنا بوصلة الأمان المسمى صديق حقيقي.