رمضان في قريتي :

بما أني قرويُّ الولادة و المنشأ تقريبا فأنا أشتاق لرمضان (1988م تقريبا) على ما بين وجبات رمضان (2013م) من تفاوت بالنسبة للتنوع و توارد الجديد من الوجبات و الحلويات و المعجَّنات من سائر البلدان العربية و غيرها.
حيث :
يلوح في ذاكرتي الان توارد أهل القرية بنوع واحد فقط من الأكلات الشعبية الخفيفة (شفوت و هوعبارة عن رُقاق الخبز الخفيف جدا المصنوع من حبوب الذرة الطبيعي الذي يرزعه أهل القرية المسمى ب"لَحُوْح" مع لبن طبيعي و بُهارات محلية و فلفل حار)

و التمر و الماء العذب الذي يأخذونه من عيون الأرض و يضعونه في آنية الفخار الطبيعية التي تحافظ عليه و تزيده برودة كهذه 
، و يضعونه في فناء مسجد القرية ، و نحن الأطفال ننتظر الأذان بفارغ الصّبر و قد تجمَّع أغلبُ إن لم يكن كل ذكور أهل القرية للإفطار الجماعي في المسجد.
وقت إنتظار أذان المغرب يجلس الصغار و الكبار على حد سواء داخل المسجد و في فنائه يقرؤون القرءان جميعا ولا يكاد يتخلف أحد إلا المعذور حتى يأذن المغرب.
و بعد أداء صلاة المغرب يعود الناس إلى بيوتهم لتناول العشاء و تختلف موائد الناس كلٌ بحسب ميسوره .
في تصوري أن تلك الوجبة الواحدة و الخفيفة و في ذلك الجو الجميل الطبيعي ؛ جو العائلة الواحدة المتاسكة (التي هي القرية) تعدل بالنسبة لذاكرتي ألف وجبة من وجبات هذه الأيام و تشردُ بي بعيداً حتى أني أحاول أحاكي تلك الوجبة هنا لأحصل على ذلك الجو و المذاق و لكن للأسف دون جدوى ... فالدار هي الدار و إنما رحل السكان.
·ذاكرتي تعودُ إلى قريتي المتواضعة بإمكانات أهلها دون غيرها من القُرى أو المُدن اليمنية التي قد تختلف عنها كثيرا في طقوس الإفطار الجماعي و تعدد الوجبات الشعبية .
·و قبل أذان الفجر الأول استيقظ على صوت ضرب الدُفِّ من إمام المسجد مع نداء الناس للسحور استعدادا للصلاة والصيام ، فيقوم الجميع و يتسحرون ثم يتوجه الناس إلى المسجد للصلاة.
·ما علِق في ذاكرتي الان -لأني لم أعُد إلى قريتي منذ (1990م) إلا زائراً خفيف الظل ثم تعددت محالُّ إقامتي كثيراً- :
1-الجو الروحاني الذي كنتُ اشعر به حولي من الكبار و كبار السن .
2-تكافل الناس خصوصا في شهر رمضان المبارك.
3-لذة الأكل الجماعي مع الجيران و من مر من عابري السبيل إلى درجة لا تُتصور دون الأكل في البيت.
4-لم يكن هناك ما يشغل الناس عن أداء صلاة التراويح في المسجد حتى الصبية و صغار السن و حين غياب أحدهم يتسائل الناس عنه و عن المانع له عن الحضور للصلاة ؛ و الفضل في هذا -تقريباً- يرجع إلى انعدام الكهرباء و التقنية بشكل عام. بل أكاد أقول أن العالم قد انتهى عند أغلب أهل قريتي إلى حدودها أو أبعد قليلا
5-بعد الإنتهاء من صلاة التراويح يخلد الناس إلى النوم و يستيقظون باكراً للسحور. و قلَّ أن يسهر أحدهم
·أريد أن أقول هنا : أن الكثير منا لا يُغريه شهر رمضان و يهيج أشواقه بقدر ما يُثقلُ كاهله و أهل بيته بالإستعداد لتكديس و ادخار المواد الغذائية و الطبخ و النفخ حتى الأغنياء و الميسورين على حد سواء ؛ إلا من جانب الإستمتاع بالبرامج الفكاهية و الشطحات و المقالب التلفزيونية التي تكاد تكونُ تعويضاً لخواء الروح و الوجدان القديم .
·لعبت المدنية أو أقول المدنية العالمية دورا كبيرا في مسخ الروحانيات و الطقوس و العادات في رمضان. و جعلت الناس اشبه بخلايا منقسمة كل خلية تعمل و تعيش بمفردها محمَلةً بالأنا ناسيةً بقية الضمائر.
·تداخل خصوصيات رمضان بوجباته و نكهاته مع غيره من الشهور حتى فقد جوَّه و رونقه إلا عند كبار السن الذين يعطون رمضان حقه من العبادة و التفرغ لها دون غيرها.
·و ربما لعبت المصادر المعلوماتية المصورة و المشاهدة و المسموعة دوراً كبيراً في حشد الأوجاع و الآلام من كل بقاع الأرض و ربطت القاصي بالداني و أوحت إلى الحِسِّ الجمعي بالوجع و الألم دون جدوى أو قدرة الفرد في تغيير شيء فأصبح الشعورُ موُجعٌ ولا رغبة له بشيء .
رمضانكم مبارك أيها الأبعاديون و الأبعاديات.
و أتمنى من الله أن يغفر ذنوبنا و لذوينا و من نحب و أن يجمعنا جميعا في جناته.
و شكرا يا نادرة على هذا الموضوع الجميل الذي عرَّفنا على أنماط و صور جميلة لبعض العادات و التقاليد و الأساليب العربية التي لا أعلم الكثير عنها.