
فِرَاسَةٌ
... فأقبلَ عليهِ مبتسماً وباليد اليمنى مُصَافحاً، ومَا إنْ بادَره بحُروف التحية تامَّة العدد غير منقوصة، حتى ارتمَى عليه معانقاً له بحَرارة، ثمَّ إنه أفاضَ بعدَ ذلكَ في السُّؤال عن أحْواله وصِحته، ولمْ يترك أحداً من أفراد أسرتكَ إلا وقد أتى على ذكره بالإسم والسؤال عنهُ بالتفصيل، وكذلكَ لم ينس صغيراً بكرمه، ولمْ يستثن بجوده كبيراً من أقربائه ...
اسْترسلَ الزائر العَابر في أسئلته دون أن يتوقف طوفانها أو ينقطع سيلها، ودبَّ المللُ في نفس صَاحب الدَّار، وسرَى الضيق سريعاً في انفاسه، فإذا بفضول الضيف يزداد شدة، وبيد تماديه في الاستفهام عن كلِّ شاردَة وواردة تمتد طويلة إلى مَا لم يخطر للمضيف على البالِ ...
أمْسكَ المُجيبُ عن الإجابة بعد السُّؤال الثالث، وصَام عن النطق بأيِّ كلمةٍ، وعندما نظر ملياً في عيني الضيف، أفصَحتا لهُ عن خبثٍ مقيتٍ، ومكرٍ خبيثٍ، وغدرٍ مُبيتٍ، فاسْتعاذ بالله العلي العظيم من الشيْطان الرَّجيم، ولمَّا أمعن النظر قليلاً في حركاته وسكناته، أفشتْ له حسداً كامناً، وحقداً راسخاً، ونفاقاً متجذراً، فسأل من أمْره بيْن النون والكَاف أنْ ينجيه بلطفه ممَّا يخافُ ...

د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
السندباد