ورق .. و .. وأرق

[عائض القرني]

حين أتأمل فيمن انشق عن صف الصحوة ومعين القرآن والسنة, وذهب ليبحث عن بديل يطور به الأمة كما يزعم؛ أتذكر حال ذاك الشاب المراهق الذي هرب من بيت أبيه متضايقاً من متابعته وكثرة توجيهه وضبطه, فأصبح على الأرصفة ينام ويقتات على فتات ماقد يرميه العابرون, ولم يجد بيتاً يأويه, ولا أباً يتبناه ويغدق عليه . فكرٌ مراهق يرى أنه صائبٌ... وحرٌّ, فإما ينتصر أو ينتحر . ياهذا كيف بدلت الثبات بالشتات, والعمل بالجدل ؟

 

[عائض القرني]

كان حديثهم عن الجهاد مباشرة ودون أي تحوير لمعناه وخلق عراقيل له, كان حديثهم عن أهمية الولاء والبراء دون الدعوة للانفتاح مع الآخر والنظر فيما عنده من شي ليس عندنا, كان الحديث عما تواجهه الأمة من تحديات دون انكار المؤامرة واتهام الأمة بعقد ال...مؤامرة, وكان حديثهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون تغيير لمفهومه أو قصره في جوانب محدوده .
إن مايقدمه الغرب للصوفية في هذا الأيام من دعم غير محدود لحرب (أهل السنة والجماعة) وتسميتهم بمسميات عديدة, ومانلحظه من تغير واضح في توجهات وأفكار كانت عصب الحياة بالنسبة لقيام الصحوة في الأمة ومن المبادئ التي ورثتها من الأجيال السالفة .
إن الصوفية أصبحت رهان قائم في أقطار العالم الإسلامي يغرسه المستمعمر في خاصرة الأمة بعد أن فشلت العلمانية في هذه المهمة, ولقد أتت بأفكار ومنهجيات جديدة تلبس على الناس أمر دينهم وكأنها من الدين وتقول بحق أريد به باطل .
هذا موضوع خطير يحتاج لبحث ونظر ليقف الناس على علم وبيان, وإدراك مايراد لها من داخلها ومن خارجها .

 

[عائض القرني]

المتأمل لحال الجيل الأول من الحداثيين وتوجهاتهم, يجد أنهم قد أصبحوا في زوايا معتمه كما هو حال كتبهم, فلم يفهم عليهم في ذاك الزمن ووهجهم يخطف الأبصار, فكيف يفهم ويدرى عنهم في هذا الزمن وقد أصبحت المعركة بين طرفين تكاد تكون سياسية أكثر من أي وقت مضى .
صرخة الغذامي فيما مضمونه الأساسي تقول للناس إنني موجود, ولازلت حياً أرزق ومتابع, وقد قسمها بين الإسلاميين واللبراليين, فالإسلاميون أخذوها سهاماً ضد التيار الليبرالي ويقولون هاهو واحد منكم ينتقدكم, وبين أنه ليس لديكم شيئاً مما تدعون, أمّا الليبراليون فهو يقول لهم, أنتم طلاب مراهقون تحتاجون لتوجيه ولن تجدوا خيراً منّي, وقد اختلفوا حول مقاله ووجد منهم من يؤيده وهنا قد نال شيئاً ممايريد .
يا العذامي رفقاً بحنجرتك ولاتصرخ كثيراً, فالأفكار تهرم كما يهرم أصحابها وتعتل, وهناك أحزاب وتيارات لم تعد تسمع في ظل هزيم الرعود المعاصرة .

 

[عائض القرني]

(غسيل الأحزاب) كما أن غسيل الأموال أصبح ظاهرة عالمية في الاقتصاد العالمي، وجعلت لها نفوذا استنزافيا في الدول النامية، وهيمنت على السلطات فيها، فإن الأحزاب الحاكمة أو المعارضة بدت تتشكل في أحزاب أخرى بعد سقوط مبارك لتجني مكاسب الثورة، وترجح كفة المشروع الأمريكي في خلق دولة مدنية مرتقبة، وقد تحقق مكاسبها من خلال رؤوس أموالها وتنظيمها وأتباعها .

 

[عائض القرني]

هل ماكان في مصر انقلاب عسكري، وجد أن ثورة الشعب قدمته على طبق من ذهب وهي لاتشعر ؟
المؤيد والمعارض لهذا التصور لايملكان حتى الآن الرؤية الواضحة، فنحن لازلنا نعيش السكرة والحلم بالحرية وتحققها .
بعد أن تهدأ الزوابع يظهر حجم الفواجع، ويتكرر المشهد المعتاد، ونلدغ ألف مرة من جحر العجز وكثرة الأماني . فالذاكرة كذاكرة السمك لاتختزن لأكثر من ...بضع ثواني، فلاغرابة أن نصاد بنفس الصياد وبنفس الشبكة .

 

[عائض القرني]

الطرفان المتحدثان عن الثورة يهربان, فالطرف المعارض لها يهرب للماضي وإيثار السلامة, والطرف المؤيد يهرب للحلم والأماني, ويشكلان بهذا الهروب إشكالات منهجية تؤثر على شباب الثورة من حيث الاجتماع ومن حيث المواصلة, فتكون النتائج دون المأمول والإحباط سيد الموقف .
ألا فليتقوا في الأمة وليجتمعوا على كلمة سواء, تنطلق من العلم والتعامل مع الواقع ...بما يقيم الإيمان, ويحق الأمن, ويجلب الرزق .

 

[عائض القرني]

لماذا نلزم من قام بهدم الطغيان والظلم، أن يقيم العدل والإحسان، وإلا كان عمله عمل غير صالح؛ إن أزمة الجهل بواقع الناس وعدم استشعار حالهم، يخلق مجتمعا مثاليا لم يوجد حتى في عهد الصحابة، بل إن الداعي له يعيش نقيضه تماما، وماذاك إلا نتاج إعجاب كل ذي رأي برأيه، واتباع الهوى .
فأصبح الناس بين عدو وهمي وصديق وهمي .

 

[عائض القرني]

معرض الرياض الدولي للكتاب ومايحصل فيه معترك ثقافي وفكري, أمر طبيعي يصاحب مختلف النشاطات فيه, فإنكار مافيه من كتب تحمل الإلحاد والزندقة أمر صحي وظاهرة ثقافية, وإن لم يحصل ذلك فيعني أن المجتمع إما ميت لايحس, أو يرضى بشيء يقدح في دينه ومبادئه, واعتراض فئة أخرى على هذه الفئة التي قامت بالمنكر في نفس السياق التدافعي . ولابد أن تتسع صدورنا لذلك فالعصر عصر صراع أفكار وقوى, ولن ينفع الناس إلا مايمكث في الأرض.