قبل ثلاثة عقودٍ تقريباً هيأ المعسكر الغربي ودوله التابعة له مناخ نشؤ (اليمين الإسلامي) وعززت مفاهيم الولاء والبراء والجهاد في سبيل الله ومحاربة الإلحاد والماركسيين, في نفوس الجيل, فنشأ شباب على فطرتهم وسجيتهم لايدركون خفايا لعبة السياسة, وحين سقط المعسكر الشرقي, وجدوا أنفسهم في دائرة الاتهام والتصفية والمحاربة بدعوى الإرهاب, وبدأ تهيئة المناخ (لليسار الإسلامي) الذي يخدم نفوذ المعسكر الغربي والصهيوني في جسد الأمة, ويعزز مفاهيم أن الجهاد إرهابٌ, ووجوب تعايش الناس جميعاً, ونبذ التشدد ومحاربة الوهابية والسلفية, وكل منهجٍ يعتمد الدليل, ومراجعة فتاوى التحريم, وأهمية التيسير على الناس, واتهام الفتاوى السابقة بأن أصحابها كانوا تحت مظلة سياسية تخدم الحكام الظلمة, وأهمية نقل الحضارة الغربية والاستفادة منها, وبث روح الحرية والديموقراطية والليبرالية؛ وفي ظل هذا يخلقون مسائل تافهة يتهارش عليها المثقفون التابعون لتوجهات عدة, يزداد معها الصف تمزقاً, ويسعى العدو من ورائها لتحسين صورته وتعزيز نفوذه . ومن العجب أن رموز (اليمين الإسلامي) بالأمس هي الآن في غالبها رموز (اليسار الإسلامي) اليوم, كانوا يدعون للمقاومة يوماً ما, واليوم يدعون للبناء؛ إنهم فيما سبق على طرف حق, واليوم على طرف حق, والأخذ بطرف الشيء دون طرفه الآخر ميل وزيغ عن الحق, يجعل الناس في حيرة من أمرهم بين التناقض والنقص . إن الأمر خطوات وليس جزئيات, فلن يعيش مجتمع دون أن يبني ويقاوم, بحسب إمكانيته, وللبناء وجوه عدة, وللمقاومة وجوه عدة . لقد رمى الناس أصحابَ الدليل عن قوس واحدة, ولن يهدأ للغرب وحكومته الماسونية والصهيونية وكنيسته الكاثلوكية بال حتى يقضى على الإسلام ومعالمه, مهما كان هذا الإسلام ضعيفاً أو متراخياً أو مميعاً أو متنازلاً. لقد طال علينا الأمد فقست قلوبنا, هذا مايمكن أن يقال عن حالنا. فحري بنا أن ندرك أننا في آخر الزمان, القابض على دينه كالقابض على الجمر, فلقد ساد النيل من العلماء, والاستهزاء بالدين, وتسيد الرويبضة, والسعي وراء الشهوات . من نسي أو تناسى أن الاسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فلن يكون من الغرباء ولاطوبى له .