يبدو أن أزمتنا في قراءة الأحداث لاتنفك عن رؤية الحلقة الأخيرة فقط من المشهد, والمتابع لتركيا منذ أزمة غزَّة يجد استغراباً من حيث ظهورها المفاجئ على الساحة الدولة والعربية خصوصاً_وإن كانت بوادر الظهور بدت من غزو العراق_ ووقوفها في وجه إسرائيل صديقتها بكل قوة, حتى خلنا ورأينا في أوردغان محمد الفاتح, ويممنا شطر تركيا, وبدأنا نشنف أذاننا لسماع الأذان من مسجد محمد الفاتح, وعولنا عليهم كثيراً, وظننا أن الجيش التركي سيجتاح غزة والقدس ليطهرها من براثن اليهود؛ وفي الوجه الآخر من العملة التركية نجد تركيا قضت عقوداً تتوسل للنادي المسيحي بالدخول على باحاته, لتنال الميزات الاقتصادية والعسكرية والسياسية, ونجد حراكاً غير عادياً في متانة العلاقة الدبلوماسية والاقتصادية مع أمريكا وإسرائيل, وكأنَّي بهم يقولون شيء من سياستنا الإعلامية لتنفس الشعوب, وشيء منها لوضع الحكومة الأتاتوركية خصوصاً وجيشها الذي هو في الحقيقة الحاكم, وماقصت خلعهم لنجم الدين أربكان, وحلّ حزبه عنا ببعيد.
إن المنقب عن تصريحات عدد من الأوربيين والسياسيين سواء التركيين منهم أو الأوربين, يجد أن تركيا ميهأة منذ فترة للعلب دوراً استراتيجياً مهماً في منطقة الشرق الأوسط الجديدة, فإليزابث ملكة بريطيانا تصرح عام 2001م أن تركيا سيكون لها دور استراتيجي في منقطة الشرق الأوسط, وما إن بدأت الحرب الأمريكية على العراق حتى كانت تركيا مطارات لطياران العدو, ثم هاهي تلعب دور التوازن في شأن السلام بين سوريا وإسرائيل, وتارة تنتقل للعب دور الردع مع إيران في مواجهة أوربا, وتارة تلعب دور الدولة الرابعة مع السعودية ومصر والأردن في فك الارتباط القائم بين مايسمى بدول الممانعة وخصوصاً القائم بين سوريا وإيران, والشاهد ماتشهده العلاقات الإيرانية السورية من فتور هذه الأيام, وتارة تختلق أزمة مياه مع سوريا والعراق .
إن تركيا في حقيقة الأمر تلعب دوراً لمصالحها الشخصية في الانضام إلى النادي المسيحي _ولن يقبلوا بها_ ولقد استغلت البعد التاريخي للمنطقة كونها آخر من كان يحمي هذه البلاد ويقوم على حكمها, وماتطلقه من فلاشات ضد إسرائيل ماهو إلا كتلك الفلاشات التي تطلقها إيران أيضاً ضد إسرائيل, إن الشعوبية دم يغلي في تركيا وإيران وإسرائيل والقادم مذهل أكثر, وصراع القوميات والطائفية على أشده .
بقي أن أقول عن تركيا وزعيمها : أن لنا فيما مضى عبرة من فقاعات ظهرت حيناً من الدهر ثم ذهبت أدراج الريح, فالخميني ظهر قبل مايزيد على ثلاثين عاماً وظننا أن الفتح على يده, ثم بعده صدام العروبة وماتبعه من نكسات, ولازلنا نطير في العجة كلما هبت عاصفة من رمال السياسة .
إن للعملة وجهان لابد من النظر فيها بين قراءة التاريخ وبين الواقع, وإن خشبة مسرح التاريخ تحتاج لأبطال يشغلون الجمهور بين حينٍ وآخر .
أما حال العرب وحكامهم فلا وصف أبلغ من أن يقال أنهم ((أموات غير أحياء مايشعرون أيان يبعثون .....)) .