الذين يدَّعون أنهم لايجاملون, يسقط منهم كلمات تعدت مفهوم المجاملة إلى المداهنة, وخرج عن قياس الشرع والطبع والفطرة والعقل. سبحان من أشغلهم بالنظر في سير النَّاس, ما إن يرون زلة قدم على أحدٍ حتى ينزلونه بها للأرض السابعة, ويصبح في عداد من مات في عهد الدينصورات, وانطمر وانصهر, وما إن يذكر عنه حسنة حتى يرفعون مثلبة له , ويدفعون النَّاس عن حياضه أن يقولوا عنه خيراً. لقد حجروا واسعاً وغفلوا عن كثير محامد من النَّاس, وعن أناس ظلموا وبخس قدرهم وشأنهم, فعيونهم لم ترهم, فهي عين تنظر من هوى وحيف وميل وظلم.
إنَّ هؤلاء ظلموا أنفسهم ظلماً عظيماً, فماإن يتحدثوا بشيء حتى يصمهم النَّاس بعدم الإنصاف والسطحية والشخصنة التي تعمي, وتشعرك وأنت تسمع منهم أنهم يكذبون كذباً لاريب فيه .
من كان حاله هكذا فجدير به أن يعلم أنَّه لاشيء يذكر, وإنما عافيته مرض, وتعاليه نزول, وانشغاله بالناس باب أثم يدخل عليه منه أصناف من الخطايا .
طوبى لمن وضع لبنة في سور الحياة, وانشغل بنفسه عن غيره, وستر عيباً, وأقال عثرة, وعف لسانه عن محارم النَّاس وأعراضهم, وقتل ظنَّه السيئ في مهده, فلن يجني منه إلا الحسرة والندامة والخيبة .