\
صديقي الحميم.. المصور الفوتوغرافي الهائل بدر النعماني.. أدرج لي بيتاً شعرياً (خاطفاً) ذات مساء تركوزاي.. دون أن يتذكر قائله:
[POEM="font="Simplified Arabic,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=1 align=center use=ex num="0,black""]المرء يكْذِب لا صديق لميّتٍ=لو كان يصدُق.. مات حينَ يموت![/POEM]
:
وهنا نص (هائل) يثقب قاع دلو الذاكرة، لتخر منه أجمل الأشياء المفقودة، متهاديةً رويداً.. رويداً على لسان الحال.
مثل هذا الشعر يا رشدي،
لا يقودني إلا إلى غابات المخمل، حيث يجري أدونيس أمام سائر الأفكاك الشرسة، كما يجري هذا النص من زحام الشوك على غابات الكلِم الموبوء، ليرقى السلالم نحو غيمةٍ جديدة، تمطر الصدق.
:
سرّ مباح:
لعلني أقرأ نص التفعيلة كصوتٍ انفجاري لا يشاء التقوقوع داخل سجن الإطار الكلاسيكي للقصيدة العودية، رافضاً قيد البحر والقوافي، بعد أن اختارت له صرخة ذات الشاعر هذا الشكل المتقافز من جرسٍ لآخر. بمعنى أنني لا أجيد التفاعل جيداً مع نصٍ كُتب لمجرد أن يصبح تفعيلة، أي أنه اختار ارتداء هذه العباءة ليُقال عنه أنه نص متفتح، نص آخر!
أما هنا.. في هذا المونولوج الخطير الذي يرتكبه رشدي الغدير، فأنت كقارئ للشعر لابد لك من أن تنثال إلى جهة قديمة، يستدعيك إليها شاعر واحد لا مثيل له، هو الشاعر (التكنيكي) إن جازت تسميته بذلك؛ وهو الذي لا يقبل بالمساحات القطنية، والفراغات اللفظية داخل أوردة النص، هذا الشاعر يشبه تماماً رشدي الغدير، الذي يقودني إلى معلومةٍ جداً خطيرة، وقد تكون هذه المعلومة غير مدونة في سجل التنظير بعد، أو من قبل، ربما أنها أتت هدية قيّمة نتاج اكتساب معرفي على طاولة الحوار والنقاش مع النخبة العمانية، هذه النخبة المتعملقة داخل دائرة القراءة، وأقصد بالقراءة تلك التي تضرب بوعيها إلى شكل المكان والزمان والحالة التي يرتكب فيها الشاعر لحظة الكتابة، لا لمجرد التفاعل المؤقت معه قشر المعنى، أو التوقف عند حد رغبة فاتنة، مرهفة، تُشفي غليل قلبك المراهق على شرفة حبيبة!
إن الجهة الأولى والأخيرة التي قادني إليها هذا النص، هي جهة التجريب لدى الـ بدر بن عبدالمحسن، فأنا أذكر أن هذا الشخص الذي (
علق الدنيا على مسمار).. هو ذاته الذي انطلق للشعر مسبقاً من بوابة (
كلما اقفيت ناداني تعال)!.. وهذا ما يجعلني أكثر إيقاناً وإيماناً بأن (نص التفعيلة) ليس شكلاً من أشكال الكتابة، بل هو حالة انفجارية لابد أن يمكلك صكها نخبة من الشعراء، وليس الكل. فأنت قد تقرأ كثيرا من هذه النصوص على بسيطة الشعر، ولكنك لن تتفاعل إلا مع الندرة منها، بالضبط كما يحدث اليوم بين الذائقة وبين سائر النصوص العمودية، فليس كل ما يُكتَب.. ممتع/ومقنع!
أعود لأقول بأن قصيدة التفعيلة التي بين يدينا، جاءت بهذا الـ رشدي من صنو الانفجار، مما حتم على فكرة النص أن تختار عباءتها، ولم يكن لشاعرها دور (هام) في اختيار هذه العباءة، وهذا ما جعلنا نقف أمام مسرحية عظيمة قد يغبطه عليها المنظرين الكبار في تجربة شكسبير.
/
مدخل:
إنني يا رشدي..
أقرأ الشعر!
\