الدراما في الشعر،
قلما تجد الدراما في الشعر الشعبي،
هناك قلة من الشعراء الذين يكتبون الدراما،
أذكر منهم على سبيل المثال فهد عافت..
الدراما هي حياة تتعايش مع أدق تفاصيلها،
ليست قصيدة تعبر عن مشاعر ما في ظرف ما.
كتبت في نص الخوف :
لا تبالي،
من تزوجته نسيتك،
ما بكيتك، حتى يوم إني أمر بجنب بيتك.
ما بكيتك،
حتى إسم أكبر عيالي،
صح مثل إسمك ولكنه تسمّى بإسم خالي!
[أطرق براسه وحبّات العرق باست مداسه]
لا تبالي،
تبقى يا شاعر مثالي،
ذِكرى وتراود خيالي من سنين،
لين ما تناثر رمادي، وليل شعري به تحنّا !
شِفت كيف الخوف يسرق أجمل اللحظات منّا.
هنا أحس بأني أوجدت شخصية مركبّة،
حاولت أن أدخل القاريء بمعمعة حياتهم دون سرد ممل.
من خلال حوار بسيط ستكتشف تفاصيل حياة طويلة.
أعود لفهد عافت وقصيدة لعب عيال، كون هذه القصيدة عمودية.
لا أذكر أنني قرأت نص عمودي يحتوي على دراما كما نص لعب عيال.
غالباً ما يكون السبب هو قالب القصيدة العمودية ذا الموسيقى المقفلة.
فالموسيقى تتوقف عن الحركة في القصيدة العمودية بمجرد الإنتهاء من البيت الأول الذي تستنسخ موسيقاه في باقي الأبيات التي تليه.
ربما يتسائل أحدهم وما علاقة الموسيقى بالبناء الدرامي؟
في الدراما شخصيات متعددة ومتجددة، وانفعالات متعددة ومتجددة أيضاً،
والموسيقى تعكس الإنفعال، لهذا الموسيقى هي الركيزة الأولى في الشعر!
في قصيدة التفعيلة، المجال أرحب للبناء الدرامي،
نحن بأمس الحاجة إلى قصيدة ذات نظام موسيقي لا يتحكم به الوزن الثابت بل يفرضه الإنفعال الذي يحدد تدفق ، ترتيب ، وتكرار الإيقاع – التفاعيل – في سياقٍ ما تتنوع فيه الأطوال الموسيقية بالأسطر والمقاطع بالإضافة إلى تنوع موسيقى القوافي بين الصخب والهدوء ليعكس هذا كله بوضوح ودقة الحالة النفسية والشعورية للشاعر أثناء كتابة كل سطر وكل كلمة ، ويساهم بعمق إحساس المتلقي للنص.
وفي الحديث عن الدراما والموسيقى،
لا بد لزياد الرحباني أن يقحم نفسه هنا.
مع زياد الرحباني،
تكون للأغنيه حياتها الخاصة،
وأشخاصها، همومهم، تطلعاتهم، إنكساراتهم، وأنتصاراتهم.
أغنية زياد رواية جميلة مكتملة الفصول.
زياد ربما يخلق من اللحن صوتاً أكثر تعبيراً من الكلمات.
إسمع مثلاً أغنية : عودك رنّان.
لهذة الأغنية حياة خاصة، سأحكي لك القصة وبعدها سأضع رابط للأغنية،
صدقني ستسمعها كأنك تسمعها للمرة الأولى .
أثناء الحرب الأهلية في لبنان، وفي أحدى المعارك لجأ الرحابنة لأحد المنازل،
ونظراً لإشتداد القتال أضطروا للبقاء في ذلك المنزل أكثر من ليلة.
كان علي سعيداً بوجود فيروز وإبنها في هذا المنزل الذي أصبح يحرسه بالكلاشنكوف،
كان علي عازفاً للعود أيضاً، وكان يدق ليوّعي البشر، حتى ألجمت أحدى المعارك ريشته عن العزف.
أغنية عودك رنان أختصرت حياة علي بما فيها من تطلعات وانتصارات وانكسارات.
إسمع المقطع الأخير من الأغنية.
لاحظ الإيقاعات، لاحظ عندما ينطق الكلاشنكوف في الموسيقى لكي يلجم عزف العود.
هذه الرمزية الجميلة، والدراما تجعلنا نعيش أكثر من حياة في دقائق بسيطة.
الرابط : http://song4.6rb.com/Leb/fairouz/fai...dak-rannan.ram