المرأة ذلك اللغز ! بقلم ندى يزوغ
عندما تتعرض المرأة لضغوط الحياة ومشاكلها المتراكمة، يكون أول ما تبحث عنه هو مساحة آمنة للبوح. هي لا تطلب من أحد أن يحمل عنها الجبال، بل أن يمنحها ظلّ شجرة تستريح تحته بعد تعب الطريق.
في لحظة الضيق، تتجه نحو أقرب الناس إليها، وغالباً يكون زوجها، شريكها، أو صديقها. لكن المشكلة تبدأ حين لا يفهم الآخر أن حديثها ليس استفتاءً عن الحلول، بل هو طقس نفسي وروحي من طقوس الفضفضة، حيث يتحول الكلام إلى وسيلة لتخفيف الألم، لا لمعالجته.
الفرق الجوهري بين طريقة تفكير الرجل والمرأة يكمن هنا: الرجل حين يسمع المشكلة، يلبس عباءة “المنقذ” ويخرج علبة أدواته ليصلح الخلل. بينما المرأة لا تطلب منه سوى أن يكون “مستمعاً”، حاضناً، ومتفهما. تشبه في هذه اللحظة الغيمة الرمادية: هي لا تنتظر من الشمس أن تبددها، بل من الريح أن ترافقها قليلاً حتى تمطر وترتاح.
المرأة، وإن كانت عالمة، قوية، ذكية، ومثقفة، تحتاج إلى حضن يطمئنها أنها ليست وحدها في هذا العالم. هي في حقيقتها عالَمٌ من التناقضات الجميلة: الصمت عندها ليس تجاهلاً، بل لغة مشحونة بالمعاني.
أما الكلمة قد تحمل نقيض معناها، تماماً كما قد يقول الشاعر "أحبك" بنبرة الحزن.
حين تقول المرأة "أريد الطلاق"، قد تكون في الحقيقة تصرخ: "أرجوك تمسك بي، قل لي إنك لا تستطيع العيش بدوني". هذه ليست مراوغة، بل تعبير غير مباشر عن جرح داخلي لم يجد وسيلة أخرى للخروج. وعندما تصمت، فإن أول جملة تنطق بها بعد طول غياب تكون مفتاحا لفهم أعماقها، ويجب أن تُقرأ كما تُقرأ الرموز في الكتب المقدسة: بتأمل، وعمق، وصدق.
لو أردنا أن نفهم المرأة فعلاً، وجب علينا أن ندرس هرموناتها كما ندرس قوانين الفيزياء، وأن نحلل سيميائية ردود أفعالها كما نحلل القصائد الغامضة. لأن كل تعبير عندها مشحون بتاريخ نفسي واجتماعي طويل، وكل "نعم" أو "لا" تحمل خلفها جبالا من الخوف، الرجاء، الأمل، أو خيبة الأمل.
المرأة، ببساطة، كالبحر. لا يمكنك أن تتعامل معه فقط من السطح. قد يكون هادئاً لكنه يخفي تيارات قوية، وقد يبدو غاضباً لكنه يشتاق إلى اليابسة. إذا فهمته، أصبحت بحاراً ماهراً. وإذا أهملته، أغرقك في لحظة غفلة.
تاريخياً، المرأة التي وجدت من يفهمها، تحولت إلى شريكة داعمة، أو مربية، ورفيقة درب تُدير الأزمات بحنكة القائد. إن ذكاء المرأة العاطفي هو وقود حياة الأسرة، ودهاؤها ليس مكراً، بل وسيلة لحماية من تحب. لذلك قيل: "وراء كل رجل عظيم امرأة"، لكن الأصح: "بجانب كل رجل ناجح، امرأة فهمها فاحتوته، وفهمها فاحترمها".
إذا أردت أن تحب امرأة، فابدأ بمحاولة فهمها أولا . وإذا أردت أن تفهمها، لا تكتفِ بكلماتها. أنصت لصمتها، اقرأ ما بين السطور، وكن مستعداً للغوص لاجتياز الأعماق. المرأة ليست كتاباً مفتوحاً، لكنها رواية عظيمة تُقرأ على مهل. من قرأها بصدق، عاش سعيداً... ومن استعجلها، ضاعت منه النهاية السعيدة.