الشرف بين اللصوص: حينما يصنع الذئب قانون الغابة
يُروى أن قاطع طريق شهير، بعد سنوات من ممارسته لسرقة القوافل ونهب المسافرين، قرر أن يتوب… لكن توبته لم تكن إلى الله، بل إلى ميثاق شرف ابتكره بنفسه، حيث قرر أن يسرق فقط من الأغنياء الجشعين، ويترك للفقراء قوتهم الهزيل. ولدهشته العظيمة، بدأ الناس يصفونه بـ"اللص النبيل"، رغم أنه لم يكفّ يومًا عن السرقة.
في أحد الأيام، أمسك برجل كان قد سرق منه سابقًا، فوجده يسرق بدوره! فصاح به: "أما تستحي؟"، فردّ الرجل: "تعلمت منك أن اللصوص قد يملكون شرفًا!" عندها، انتفض صاحبنا غاضبًا، ووضع قوانين جديدة: "لا تسرق الضعيف، لا تخدع شريكك، ولا تخن العهد مع باقي اللصوص!"
وهكذا، صار للصوص شرفهم الخاص، الذي لم يمنعهم من سرقة الناس، لكنه قيدهم ببعض القواعد الأخلاقية التي تجعلهم "لصوصًا محترمين".
الشرف كحيلة أخلاقية
يبدو أن مفهوم الشرف، في بعض الأوساط، لا يعتمد على الفضيلة، بل على التواطؤ. فهو عند بعض اللصوص يعني عدم سرقة بعضهم البعض، لكنه لا يمنعهم من نهب الآخرين. وعند السياسيين، قد يعني الوفاء لحلفائهم، لكنه لا يشمل الصدق مع شعوبهم. وعند بعض رجال الأعمال، يعني الالتزام بالعقود مع الكبار، بينما يسحقون الصغار بأحكام جائرة.
في النهاية، نحن أمام مفارقة ساخرة: الجميع يتحدث عن الشرف، لكن كل فئة تصيغه وفق مقاسها، وكأننا أمام "ماركة مسجلة" تُخاط بحسب احتياجات السوق الأخلاقية!
حينما يصبح الذئب قاضيًا
في حكاية أخرى، يقال إن مجموعة من الذئاب اجتمعت ذات يوم لتناقش "أخلاقيات الافتراس"، وقررت بالإجماع أن أكل الفرائس الصغيرة يعدّ تصرفًا غير أخلاقي، بينما يجوز افتراس الحيوانات الكبيرة لأنها "تحدٍ مشروع"!
ومنذ ذلك اليوم، أصبحت الذئاب تهاجم الفرائس الضخمة، لكنها تعتذر للفرائس الصغيرة قبل أن تقتلها، في لفتة أخلاقية نبيلة.
أليس هذا ما نراه اليوم؟ حينما يضع اللصوص قوانين الشرف، وحينما يتحدث المحتالون عن النزاهة، وحينما يُنصب الذئب نفسه قاضيًا ليحاكم الغنم على سرقة العشب!
نهاية مفتوحة… كالضمائر المتحولة
قد تسألني الآن: هل هناك شرف حقيقي، أم أن كل شرف هو مجرد كذبة متفق عليها بين جماعة ما؟ ربما تكون الإجابة في تصرف بسيط: حينما تجد لصًا يوبّخ لصًا آخر لأنه خدعه، أو مسؤولًا يندد بالفساد وهو يمارسه، أو رجلًا يطالب بالعدالة وهو يلتهم حقوق غيره… عندها فقط، ستدرك أن الشرف بين اللصوص لم يكن يومًا أكثر من "اتفاقية عدم خيانة"، لا علاقة لها بالمبدأ، بل فقط بحماية المصالح المشتركة!
أما أنت، فلك أن تختار… هل تنضم إلى اللصوص لتتعلم شرفهم، أم تكتفي بالمشاهدة من بعيد، ضاحكًا على المشهد العبثي الذي نعيشه جميعًا؟