كيبوردية [ مُرْهِقَة ] ...
و لأنها كيبوردية مرهقة فهي وليدة الشعور العظيم بالألم الأعظم ...
و لأنه الطالب المُجد الجالس في مؤخرة الفصل المشارك بكل حماسة و نشاط - المخالف كل أعراف طلاب الصفوف الأخيرة - المتميز أدباً و علماً و خلقاً ... المهذب لفظاً و سمتاً و خِلالاً ....كانت هذه الأحرف لأجله ...
زاد من قلقي عليه تغيره الملحوظ في الأسبوع الأخير بشرودٍ ذهنيٍ طويل و سرحانٍ يبعده آلاف الأميال عن قاعة الدرس ...
سألته : ما بك يا [ صهيب ] ؟ تغيرت كثيراً ؟
أجابني : بصوتٍ هزيل ... لا شيء ..
تدخل طالب [ مشاكس ] و قال : [ أهله في غزة يا أستاذ ] ...
سألت صهيب : هل أصابهم شيء ؟؟
قال : و صوت الحزن يتدفق من حنجرته ....لا و لكن القصف قريبٌ منهم ...
قلت : هل هم بخير ؟؟
قال : و بثبات الحمد لله .. و لكن أهلي في خطر ... قالها بغصة [ أمي - أخي الأكبر - جدتي - و كل أقاربي ] ..
قلت له : هل اتصلت بهم ؟
قال : نعم ... لكن الاتصال يتقطع ..
حاولت أن أخفف من مصابه و أن أهدئ من قلقه ...
في اليوم التالي ..
سألت صهيب الطالب : كيف حال أهلك في غزة ؟
قال : انقطع الاتصال و لا نعلم عنهم شيئاً ..
بدت ملامح القلق تأخذ من وجهه شكلاً لها و تشكلت في عينيه كريات الدمع ..
ربت على كتفيه و حاولت تسليته بالطمأنة و التطمين ...
في اليوم التالي ...
غاب صهيب ..
و في اليوم الذي تلاه
غاب صهيب ..
و اليوم الأربعاء
غاب صهيبٌ أيضاً ..
سألت الطلاب عنه قالوا ... لا نعرف عن سر غيابه شيئاً ...
قلت في نفسي :
رحم الله شهداء غزة .. و ألهم أهلها الصبر و السلوان و أعانهم على مصابهم ...
و أعان صهيب و أهله على مصابنا و مصابهم ..