|
معرفات التواصل |
![]() |
|
أبعاد الهدوء اجْعَلْ مِنَ الْهُدُوْءِ إبْدَاعَاً |
|
أدوات الموضوع
![]() |
انواع عرض الموضوع
![]() |
|
![]() |
#1 | ||
|
هأنا ذا في محلٍّ رفيعٍ عالٍ ، في غرفةٍ تُحيط بي كتُبي من كلِّ جانبٍ ، على نافذةٍ تُطِلُّ على السماءِ ، السماءِ فحسْب ، حيثُ أنني أقربُ إليها من الكثيرين حولي ، أشعةُ الشمسِ أقسَمتْ أن تدُخلَ ، إما هيَ و إما أثرُها ، و ما حيلةُ المضطرِّ إلا ركوبُ الأسِنَّة .
ألْزَمُ الأرْضَ جلوساً ، و طاولةً أرضيَّةً استخداماً ، بعد أن غادرتَ مقعداً مكتَبِيَّاً لا بأسَ به ، ففيه نوعٌ من الطُهْرِ ، إذْ لم يُمَسَّ بسوءٍ ، و قد كان لصيقاً حَسَنَ المعْشَرِ ، و طاولةً فخْمةَ الشكلِّ ، بُنِّيَّةَ اللونِ ، تسْحرُ الناظرين . تركتُ تلكَ كلَّها ، مؤقتاً فقطْ ، لأن الحرفَ هو هو لن يتغيَّرَ ، سواءً كُتِبَ على طاولةٍ فخمةٍ اشتُرِيَتْ بمبالغَ طائلةٍ ، و على ورقٍ فخمٍ أبيضَ من ثلجِ قُطْبِ الشمالِ ، و بقلمٍ غالٍ يلمعُ بريقُه ليراهُ مَنْ بَعُدَ كما يراه مَنْ قَرُبَ ، لا يتغيَّر لأنه حرفٌ أبجديٌّ ، و لكن يتغيَّرُ المكتوب و المضمونُ . نفسي ، هنا ، ترتقبُ أُفُقَ سماءِ الوجودِ ، التي أراها بعيني و تلك التي أراها بقلبي و روحي ، لأستقبلَ غيثها الساقطِ من عُمْقِها على أرضٍ ، ذاتِ أنواعٍ شَتَّى ، ليخرُجَ منها زرعٌ مختلفٌ لونه و طعمه و ريحه ، و كلُّ إناءٍ بما فيه ينضَح ، و كلُّ أرضٍ بما تملكُ تمنَحُ ، و أتأمَّلُ السماءَ لأستخرجَ كنزاً من أعماقِ أرضِ النفسِ و ما حَوَتْهُ من أسرارٍ لم ينتهضِ العقلُ إلا لكشفِ قليلٍ . لا شيءَ يُزعجُ سوى أن الجوَّ فيه برودةٌ ، و من رغِبَ الاعتلاءَ أصابَه بردُ الاختلاءِ ، و لكنَّ برْدَ نجدٍ ، و رياضها بالتحديد الدقيقِ ، ليس كسائرِ البرْد ، فجوُّها لا وسطيَّةَ فيه ، و الأرضُ تمنحُ الإنسان منها كثيراً ، و قد قيلَ : المدن كالبشَرِ . سنحتْ لي هذه الفرصة ، و الفُرْصَةُ إن لم تُسْتَغلَّ تكون غُصَّةً ذاتِ قَرْصَةٍ ، فارْتَأيْتُ أن أكتُبَ شيئاً ( عنِّيْ مِنِّيْ ) ، لا سيرةً ذاتيةً ، فلا أستعملها إلا لاكتسابِ أمرٍ يهمُّني في دُنيايَ ، و أما في الاهتمامِ الفكري فلا يكتُبُها إلا من سارتْ الرُّكبَانُ بذواتِ أخبارهم في آفاقِ المشارقٍ و المغاربِ ، و أما أنا فلست إلا واحداً من الناسِ يكتبُ كما يكتبون ، و لا يُذكرُ كما يُذكرون ، و إنهم لَعُظماءُ إذْ ذُكروا في المحافلِ فتاهَ فيهم كلُّ فاضلٍ . فليستْ سوى خاطرةٍ عن نفسي أكتبها بين الفينةِ و الفَيْناتِ ، و الفَيناتُ طويلاتٌ مُغدقاتٌ أو مُمْحلاتٌ ، فبجودِ السماءِ يكون العطاءُ . أكتبُ ذِكراً لأُذْكرَ بعْد حين ، فرُبَّ قائلٍ يقول في حنينٍ و أنينٍ : رُمِقَ رَمَقُ الحرفِ ههنا ، فلا برْقَ يُبدي سناه ، و لا أثرَ يُجَلِّي سُراه . فهنا أكتُبُ أنايَ ، أو بمعنى آخرَ : أكتبُ ما يَحكيني ، أو بمعنى ثالثٍ : أكتبُ فقط ، إما أن أكتُبَ من نفسي عن نفسي ، أو من غيري شبيها بنفسي ، أو ما يروقُ لي فكراً و عقلاً و ثقافةً ، ذا عُمْقٍ دِلاليٍّ . سألني محبٌّ من بلادٍ بعيدةٍ : مَنْ أنتَ ؟ كان سؤالهُ صدمةً ، فهو يعرفني و يقرأ لي ، فكيف يجوزُ له أن يسألني . فأجابَ عن تساؤلي : من تكونُ نفساً و ذاتاً ؟ فأجبتُهُ : أنا شخص تعلَّم و جرَّب ، و قلَّبتْه دُنياه شيئاً مَّا ، فيحكي من عُمقِ نظرةٍ منه لحاله و زمانه ما يكبُرُه بسنين . طبعاً لستُ كبيراً مُسِنَّاً ، و لكنني قلبتُ القلبَ لأنه متقلِّبٌ في الأصلِ ، فكنتُ معه على نفسِهِ .
|
||
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة
|