مفتاح النجاة في زمن التشتّت بقلم ندى يزوغ
ليس الإنسان بما يملك، بل بما يُدير من فكر، وما يُحسن من حوار مع ذاته. فإن ملك المرء زمام فكره، ملك تباعًا بوصلته في الحياة.
فالعقل الذي لا يُروّض كجواد جموح، إن لم تُحسن قيادته طرحك أرضًا في أول منعطف.
يقول ابن سينا: "العقل جوهرٌ شريف، به يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان." لكن، أي عقل؟ أهو العقل المملوء بصخب الشكوى، ولغو التبرم، وتضخم الأنا الجريحة؟ أم هو العقل الذي يتخذ من الحياد مرآة، ينظر من خارج الملعب، فلا يُصفق لهذا ولا يُدين ذاك، بل يُمعن التأمل قبل الحكم، ويزن الأمور بميزان لا تميل كفته لعاطفة أو هوى..
من السهل أن نُسقط الملامة على الآخر، أو نُفرغها على الذات، كمن يجلد جسدًا أنهكته الرياح، دون أن يسدّ النافذة. لكن اللوم لا يصنع طريقًا، والشكوى لا تبني جسرًا. إنّما الذي يُنجيك من التيه هو التغيير، والتغيير يبدأ من تحوّل في زاوية الرؤية.
لقد قال فيكتور فرانكل –الطبيب النفسي الذي نجا من معسكرات الاعتقال النازية–: "كل شيء يمكن سلبه من الإنسان، إلا شيئا واحدا : حرية اختيار موقفه في أي إشكالية كانت."
ومن هنا، يتضح أن مفتاح النجاة ليس في الظروف، بل في تأويل الظروف. أي: كيف تفسر الحدث، لا الحدث نفسه.
العين التي ترى الأمور من كل الجوانب، لا تُخدع بالمظهر، ولا تكتفي بسماع طرف واحد، ولا تأخذ قرارًا في لحظة غضب أو نشوة.
إنها عين متحررة من الأنا، ترى الخطأ في نفسها دون إذلال، وترى الصواب في غيرها دون حسد.
ولا عجب أن الفلاسفة الكبار –من سقراط إلى الغزالي– لم يُلقّنوا الناس أحكامًا، بل علموهم كيف يسألون أسئلة ذكية.
إن طريقة حوارك مع روحك هي حجر الأساس لكل قراراتك. إن أنت عاتبتها باستمرار، كسرتها. وإن دلّلتها حد الإفراط، أهملتها. فلا بد من توازنٍ يُبقيها يقظة دون إنهاك، واعية دون تهويل.
وإنك إن ملكت هذا الفن، تهاوت في وجهك كل جدران الوهم، فترى النور في أضيق النوافذ.
فالتحرر من عادة التبرم، وترك الشكوى، ليسا تجاهلًا للألم، بل هو احترام لطاقتك الذهنية، ولذكائك العاطفي.
فأن أشتكي ما لا أملك تغييره، هو كأني أوبّخ المطر بدل أن أفتح مظلة.!
فلا تشتكي يا نفسي، بل تغيّري. لا تلُمي، بل تأملي. لا تصرخي، بل اهدئي وأنصتي أكثر !.
لذلك إن تساءلنا يومًا: لماذا لا تتغير حياتنا؟ فعلينا أن نبدأ بالسؤال الأهم:
هل غيرنا طريقة تفكيرينا؟
نعم علينا أن نملك عقولنا قبل أن تملكنا.
و أن نجد لننجز لأنفسنا بصيرة، لا فقط نظرة.
ثم علينا أن نردد: من نحن !؟ إن لم نكن أحرارا في فكرنا؟