التفكير؟
ذاك الزائرُ الذي لا يطرق الباب.. يدخل حافيًا في ليالينا الباردة
ويقيم حيث لا نُريده،؛ في التفاصيل المنتهية.. في الأخطاء التي لا يُصلحها الندم
وفي الجُمل التي تمنّينا لو لم تُقل .
نُخطئ حين نظنّ أنّ التفكير فعلٌ حيادي؛، عقلاني.. يُمارَس ببرودٍ واتزان .
فكثيراً مما نسمّيه "تفكيرًا" ليس إلا جلدًا للذات بأدوات الوعي
لا فرق فيه بين من يُعيد قراءة تفاصيل يومه..
وبين من يُنقّب في جراح الأمس ليتأكد أنها ما زالت تؤلمه .
التفكير حين يتسلّل في صمت الليل.. لا يأتي ليستشيرك بل ليحاكمك .
يتكفّل بتأنيبك على ما فات؛، يشكّكك بما أنت عليه.. ويُغرقك بسيلٍ من الأسئلة
لماذا قلت؟ لماذا سكتّ؟ ماذا لو؟....
وفي قلب كل هذا الضجيج، يغيب صوتٌ صغيرٌ ناعم لكنه حقيقي
"لستَ مطالبًا بكل هذا."
لسنا فقط نفكّر....
بل نُحاكم أنفسنا باسم العقل؛، نُدينها بصوتٍ داخليّ لا يرحم
وننسى أن العقل مهما بلغ من فطنة.. لا يمتلك كل السياقات ولا يحتفظ بالنوايا كلها .
ثمّة فرقٌ كبير بين أن تتأمّل ما جرى.. وأن تجرّ نفسك إلى ساحة الإعدام كل ليلة .
الوعي لا يعني أن تُراقب ذاتك بعين صارمة؛، بل أن تراها بعينٍ تُحبّها حتى حين تُخطئ .
"ليست كل فكرة تستحق أن تُصدّق." جملة عابرة لكنها تُنقذ .
تضع الفكرة في مكانها الصحيح عابر سبيل.. ضوءٌ يومض في ذهنك لا يُلزمك باتباعه .
تعلّمنا اليقظة الذهنية....
أن نكون حضورًا لا قضاة.، أن نسمع دون أن نُصدّق.، وأن نلاحظ دون أن نُحاكم .
إننا في أغلب الوقت لا نعيش، بل نُعيد الحياة في رؤوسنا .
نغفل عن العطر، عن الصوت، عن ضوء النافذة، عن أبسط لحظات النجاة
فقط لأننا منشغلون بماضٍ لم نعد نملكه .
فماذا لو توقّفنا.؟
ماذا لو قلنا لأنفسنا: كفى.، لقد كنتَ قاسيًا بما فيه الكفاية؟
ماذا لو سمحنا للفكرة أن تمرّ؛، للذكرى أن تهدأ.، وللحظة أن تُزهر؟
إن أعظم أشكال الرحمة ليست ما نعطيه للآخرين.، بل ذاك الذي نمنحه لأنفسنا
حين نُصغي إليها لا لنحاكمها.، بل لنربت عليها، ونقول"دعها تمضي.. ودعك تعيش."
عُمق.