كُـلّ من عرفت
الجزء الثاني
(9)
والــــدي :
حين ابصرت النور كان عمر والدي خمس وخمسون عاما , لم تكن والدتي هي الأولى فقد سبق له زيجات رزق منها بولد هو الأكبر بيننا غير الشقيق خلاف من ماتوا صغارا , كان ميلاد ابي عام 1900/1318هـ
ابي من الرعيل الأول الذين لم تتح لهم ظروف المعيشه الصعبه وبؤس الحال من الأنخراط في العلم الا ماتيسر كي يستطيع قراءة القرآن , الدين عنده في المقام الأول وماعداه من امور الدنيا هو امر مساعد للعيش بكرامه .
عانى كثيرا رحمه الله في الكد من اجل توفير لقمة العيش لأسرته , وكان آخرها وظيفة متواضعه في مسجد الرياض الكبير , موقوفة على الأهتمام ببعض الأعمال البسيطه في المسجد لعل المرهق فيها امران , الأمر الأول انه يجب ان يتواجد مرتين في اليوم رغم بُعد السكن كي يفتح او يغلق ابواب وانوار معينه , والثاني ان يقوم بفرش السجاد في الصفين الأولين ويطويها كل يوم جمعه بمساعدة بعض رفاقه بالمسجد .
كان هذا الأمر شاقا عليه مرهقا ولم يكن بيده الممانعه , ومع ذلك كان مايتقاضاه لقاء عمله لايكاد يفي بمتطلبات الأسره , لكنه كان راضيا محتسبا معتبرا ان خدمة بيوت الله فيها من الأجر مالايعادله أي مردود دنيوي , الا انه بعد سنوات طويله من هذه الخدمه , بدأ تأثير ذلك عليه , فأصابه ماأصابه من علل جسمانيه ليموت في النهاية في غرفة العمليات في منتصف عام 1980/1400هـ .
لاأذكر عن والدي الا كل خير , كان رجلا بسيطا قانعا لايهمه من امر اسرته سوى القرب من الله في القول والفعل , يمضي نهاره في قراءة القرآن والتسبيح وليله في الصلاة والدعاء , عشنا جميعا في كنفه مرتضين بما قسمه الله لنا على يديه , وحين تقدم به العمر كنت انوب عنه في عمله البسيط شهور الأجازة الصيفيه .
تعلمت منه الكثير من الصفات الجميله , الأحساس بمسؤلية الأسره وعدم تأجيل ماتستطيع فعله اليوم , الرضا بواقع الحال وعدم النظر لما في ايدي الناس , حسن الظن بالناس , وان رزق الله آت وان طال امده وان المرء من غير دين وقرب من الله هو مضيعة للعمر .
رحمه الله كان بسيطا في كل امره , افتقدته وانا في منتصف العشرين من عمري , واحسست ان فراقه ترك فراغا اسريا ومكان في النفس لايعوضه مال الدنيا , وجود الوالدين في حياة المرء ليست للصرف او التوجيه او التأنيب او خلافه من العلاقات الأنسانية فقط , وجودهما له مذاق خاص يصل الى درجة الحياة نفسها , وفقدهما هو انكسار للأبناء مهما كبروا او تعلموا او تزوجوا او استقلوا , جميعنا نبقى في وجود ابوينا اطفالا مهما كبرنا نشعر بهم السند والحظن ورائحة المسك ونغمات الكلام , انكسر ظهري بفقدي والدي , وما كدت ابدأ في رصف مكعبات قلبي الباكي حتى عاود ظهري انكساره وبشده بعد ان فقدت ست الحبايب , غاب عني بفقدهما ذاك الدعاء الذي اعتبرته زادي وفنار طريقي في لجج الحياة القاسيه , كانا لي مكابح عن الخطأ وكنت احسب لغضبهما الف حساب رغم قدرتي على الأستقلال الا اني كنت استمتع برضاهما كلما وجدت انهما ابعداني في كل مره عن الزلل بكل انواعه .
رحمهما الله ورزقني توبـة ورضا اختم بهما حياتي بعدهما
القادم ( شريكي في حب الموسيقار )