القَـرَارُ
... ثمَّ ألا ترَون مَعي أنكم جَادلتمُوني في مَا أنا عازمٌ على القيام بهِ، فأكثرتم جدالي؟ وإني لا أراكم إلا وقد أعياكم سعيكُم الحثيث المُتواصل منْ أجلِ ردِّكم لي عمَّا أنوي الإقبالَ عليه، ولا أظنه إلا قد نالَ منكُم الجُهد الكثير وزمناً غيرَ يسير ...
أمْسكَ عن مخاطبتهم وهوَ ينظرُ إليهم، وقد جمعهم به مجلس شبيه بمَا تقدم قبله من مجالس، حيث كان ومَا يزال أثر الحيرة باد على وجوههم، وكانتْ حُروف القلق مضطربة في أعينهم ...
فإذا بأحدهم يبادره قائلاً: أمَّا مجَادلتنا لكَ، فلا نرَى أنفسنا من المسْرفين فيها، ولا نحسبُها عبثاً أو من قبيلِ الزبدِ الذي يذهبُ جفاءً، بلْ إننا لمْ نبخل بها عليكَ، وقصْدنا أن تفوز بالنجاة وتتجنب الوُقوع في المَهالك، وهذا واجبٌ سنُلام عليهِ أشدَّ اللوم إن لمْ نقمْ بهِ حرصاً عليك، وحفظاً لقدرك بيننا، ومَا نحنُ لكَ في غمْرة هذا الجدَال الذي طالَ بيننا وبينكَ إلا من النَّاصِحين، ومَا نحن عليكَ في غمرته إلا من المشفقين ...
ثمَّ إنَّ مخاطبه بعد أن توقف عن التحدث إليه نيابة عن الآخرين، وقد استحْسن الحَاضرُون ما تحدث به، كان من بين من أبصَرواْ تلكَ البسْمَة التي أشرقت على وجْه مَنْ يجَادلون ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
السندباد