منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (https://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد المقال (https://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=6)
-   -   [[ ثالوث المعرفة ]] (https://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=17178)

عبد الله العُتَيِّق 04-09-2009 01:50 AM

[[ ثالوث المعرفة ]]
 
[[ ثالوث المعرفة ]]

المعارفُ نِتاجُ تأملاتٍ عقلية ، و العقلياتُ محلٌّ للنظرِ و التمحيصِ لأنها مبنية على الفهم الذي أنتجه فكرُ العقلِ ، و التمحيصُ للمعقولاتِ يفتحُ آفاقاً في النظرِ و الفكرِ ، و تلك وظيفة العقلِ و صنْعتُه .
إنَّ كلَّ معرفةٍ تمرُّ بمراحلَ ثلاث لتتكوَّن و تنضُجَ ، و تغدو المرحلة الثالثةُ نقطةَ بَدءٍ لبَدءِ ثالوثٍ جديد ، مما يُعطي إشارةً إلى ابتناء المعارفِ بعضها على بعضِ ، و أنَّ المعارفَ حلقاتٌ مُستحكِمةٌ في سلسلةٍ طويلة .
المرحلة الأولى : الطرْح .
مرحلةُ الطرْح هي المرحلة الأولى التي يكون فيها إظهار المعارفِ للوجودِ الخارجي بعد أن أُوْجدتْ في الوجود الذهني ، و تقتضي هذه المرحلةُ جُرأةً في الطرح ، و برهاناً في تقريرها إذا ما كان صاحبها راغباً في انتشارها و اعتبارها ، و لا يكون ذلك إلا من صادقٍ في اعتقاد صحة المعرفة .
إنَّ المعرفةَ التي لا يثِقُ صاحبها بها و لا يؤمن بصحتها معرفةٌ ساقطة لا قيمةَ لها في نفسِه ، و من ثمَّ لن يسعى لطرحها في الساحةِ المعرفية ، في حينِ أنَّ أصحابَ المعارفِ الواثقين بمدى صحة معارفهم و نظرياتهم المعرفية يطرحونها بقوةٍ في ساحاتِ المعارف ، و يُقيمون الدلائل و البراهين التي تؤيد نظرياتهم ، فالمعارفُ لا تُقام هياكلها إلا بدعائم الدلائل و البراهين .
و هذا ما يلزم المعرفة الحديثةَ في الوجودِ ليكون طرحها محلَّ نظرِ أصحاب العقولِ و تحت رقابة التمحيصِ لها .
عندما يحدثُ طرْحُ المعارفِ و إقامة البراهين المؤيدة لها من قِبَلِ أصحابها يقفُ الناسُ منها موقفين :
الأول : موقف الموافقُ ، و هذا النوعُ من الناسِ قد يكون مقتنعاً بالبراهينِ المؤيدة لصحة المعرفة فتكون موافقتهم عن علم و معرفة ، و قد يكون مقتنعاً بأصحابها فيكون قبوله تقليداً ، و المقلِّدُ بلا حجةٍ لا يُعتبَر شيئاً .
الثاني : موقف المخالف ، فلا يكون راضياً بالمعرفةِ المطروحة ، و يكون به الانتقالُ إلى :
المرحلة الثانية : النقض .
ليست كلُّ معرفةٍ تنالُ القبولَ عند أربابِ العقولِ ، فإن الفهوم تختلف ، و قد يُدركُ البعضُ في معرفةٍ ما لم يُدركه الآخر ، و قد يفهم صاحبُ المعرفةِ الجديدة فهماً معكوساً أو منكوساً فيكون النقضُ من باب التصحيحِ و التصويب .
إلا أنَّ النقضَ للمعارفِ لا يكونُ إلا بما كان مِنْ حالِ بَدْءِ طرْحها ، من حيثُ البرْهنةُ على النقضِ ، و بيانِ محلِّ الخللِ و الزللِ ، و توضيُ وجهِ الاعتراضِ ، مع ملاحظةِ أدبِ المناقضةِ .
أما أن يكون النقضُ مِن أجلِ النقضِ ليس إلا دون مراعاةٍ لأصولٍ و آدابٍ فهو من خبلِ العقول و هوى النفوس ، و العقلاءُ في صرْفٍ لأنفسهم عن هذا الشأن ، و لا يسلكُ نقض المعارفِ بالهوى إلا من ليس له في المعارفِ طرفاً فيُحاكي البُزلُ صولةَ الأسد .
مرحلةُ النقضِ مُثْرِيَةٌ المعارفَ بتوسيعِ دائرتها ، و تفتحُ أبواباً في التحقيق المعرفي ، و ترسم مناهجَ المناظراتِ و المجادلاتِ المعرفية على قانونها الصحيح .
تُفضي مرحلةُ النقضِ إلى موقفين :
الأول : موقف الموافقة ، و غالبُ الموافقين يندفعون إلى قبول النقضِ بدافع العاطفةِ ، لذا فيُكثرون من الترويجِ للنقضِ و تعليتِه ، و لا يرتفعُ نقضٌ بعامةٍ إلا كان ضائعاً ، فموافقةُ النقضِ ليست محمدةً ، لأنَّ الموافقة كلٌّ يُحسنها ، و لا تظهرُ الحقائق إلا عند الاعتراضِ .
الثاني : موقف الاعتراض ، و هو على حالتين :
الأولى : الاعتراضَ الكُلِّي ، فلا يُمكنُ في حالٍ التوصُّلُ إلى شيءٍ يجمعُ بين الطرحِ و النقضِ ، فيبقى الحالُ على هاتين المرحلتين .
الثانية : الاعتراض الجزئي ، فيُمكنُ أن يُوجدَ توفيقٌ يَصِلُ بين الطرحِ و النقضِ ، و هذا ما تعنيه :
المرحلة الثالثة : الجمع .مرحلة الجمعِ بين الطرح و النقضِ تتلخصُ في إيجادِ نقطةٍ تتفق عليها المرحلتان ، و هذه النقطة فيها إعمالٌ لصوابِ المرحلتينِ و إهمالٌ لخطئهما ، و هذه ميزةُ عالية في مرحلة الجمعِ ، لأنَّ إهمالَ المعارفِ من تعطيلِ العقولِ .
هذه المرحلةُ تُلزمُ الخائضَ فيها أن يكون على معرفةٍ بمنازعِ براهين المرحلتين السابقتين ، و على أن يكون عالماً بأخذِ البرهانِ ، فيكون _ عندها _ جَمْعُه على جهةٍ مُحْكَمةٍ في ذاتِهِ ، فيبرأَ من تَبِعةِ التقصيرِ في ملاحظةِ أوجُهِ براهين الطرح و النقضِ .
و تُلزمه المرحلةُ بأن يكون حيادياً فلا يخوض مرحلة الجمعِ و هو منحازٌ لمرحلةٍ دون أُخرى ، لأنَّ المعارفَ لا تقبلُ الانحياز لأنه ليس من وظيفة العقلِ ، و أدبُ المعارفِ الحيادِ .
مرحلةُ الجمعِ تمنحُ المعارفَ سَعةً لجمعها المرحلتين في نقطةِ اتفاقٍ ، فتغدو المعرفةُ الواحدة متشعِّبَةً إلى معارفَ ، إذا ما رُوعيَتْ أصولها و قواعدُ مناهجها .
و حيثُ كانت مرحلةُ الجمعِ قد وصلتْ إلى نقطةِ وصْلٍ بين مرحلَتَيْ الطرحِ و النقضِ فقد صارتْ حينها معرفةً جديدة ، و في كونها كذلك فإنها ستبدأ بها مرحلة جديدة لـ ( ثالوث المعرفة ) ، و هكذا إلى سلسلةٍ لا تنتهي ، فالمعارفُ لا تنتهي لنقطةٍ واحدة ، لأنَّ عقلَ الإنسانِ في انفتاحٍ كبيرٍ ، و المعارفُ بحرٌ لا ينتهي غائصٌ فيه إلى قَعْرِه .

خالد صالح الحربي 04-09-2009 02:17 AM

*
مَوضُوعٌ قَيّم يَا عبدالله ، وَ مُهِمٌّ أيضاً .
هُوَ بِحَاجَة لِمَن يَتَأمّلُهُ لا إلى مَن يَقْرَأهُ قِراءةً عَابِرَة .
كَثِير الشُّكر لك .

فاطمة العرجان 04-09-2009 02:20 AM

أستاذي القدير .. عبدالله
العجز عن تكوين الآراء الشخصية هو المؤدي إلى طريق
التبعية لرأي شخصٍ ما ..
إذ أن إعجابي بفكر لا يعني أن أكون معه حتى وإن كان
مجانباً للصواب .. يجب أن أكوّن وجهة نظر تخصني
أوضح فيها نقاط الاتفاق والخلاف مع الآخر ..

,

المعرفة نبع يبدأ بفكر صحيح ولا ينتهي إلى مصب

,

أ. عبدالله العتيق
أفتقد دروسك كثيراً ..
إذ لا غنى عنها

شكراً لك
http://www.mnab3.com/vb/images/smilies/rose.gif

دخيل الدرعان 04-09-2009 01:22 PM

مثلما كان نتاج المعرفة من الذهن إلى المتلقي بصورة تدريجيه يتخللها التدقيق والتمحيص
فإنه لزاماً أن تُـطرح المعرفة على بيئة يعلم مسبقاً صاحبها بأنها ستجد لها القبول حتى تتدرج إلى الأفضل لتطبيقها .

الأستاذ الفاضل / عبد الله العُتَيِّق

ماطرحته هنا إستفدت منه الكثير , ,


قايـد الحربي 04-10-2009 06:31 PM

عبدالله العتيق
ـــــــــــ
* * *



أُرحبُ بهذَا الضَوء .

:

وَ أرى فيْ مَرحلةِ الطّرح أهمّ المَراحِل ،
فَـ فضْلاً عنْ كَونِها البِدايَة ، إلاّ أنّ كَيفيّتهَا مُحيلة إلى التّكيّف مَعها أوِ الْعكْس ..
وَ بإمْكانِها - إنْ لمْ تُقنع المُقابلَ - أنْ تَجعلهُ - على الأقلّ - يُعيدُ النظَر فيْهِ ، حَتّى وإنْ تعلّق
الأمرُ بِمُسلّماتِهِ ، وَ فيْ القرآنِ تقْريبٌ لذلكَ :
" وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " .

:

موْرقُ الشكرِ لكَ أيّها الجميل .

د. منال عبدالرحمن 04-14-2009 10:12 AM

الأستاذ عبد الله العتيّق ,

أهلاً بكَ .

أرى بأن المعرفةَ تستندُ في جميعِ مراحلها على الإيمانِ بها المرفقِ بلينِ القولِ و الفعل و الانفتاح على الحوار و الرأي الآخر , إذ لا معرفةَ كاملةً إلّا عند الله سبحانه و تعالى .

شُكراً لهذا الغيثِ هنا .

تقديري!

عبد الله العُتَيِّق 04-14-2009 02:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد صالح الحربي (المشاركة 442715)
*
مَوضُوعٌ قَيّم يَا عبدالله ، وَ مُهِمٌّ أيضاً .
هُوَ بِحَاجَة لِمَن يَتَأمّلُهُ لا إلى مَن يَقْرَأهُ قِراءةً عَابِرَة .
كَثِير الشُّكر لك .

خالد الحربي
شاكرٌ لك إضاءة نورك ههنا
نحن إلى أمثاله و أعمقَ أحوج
ودٌّ

عبد الله العُتَيِّق 04-14-2009 02:20 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة العرجان (المشاركة 442716)
أستاذي القدير .. عبدالله
العجز عن تكوين الآراء الشخصية هو المؤدي إلى طريق
التبعية لرأي شخصٍ ما ..
إذ أن إعجابي بفكر لا يعني أن أكون معه حتى وإن كان
مجانباً للصواب .. يجب أن أكوّن وجهة نظر تخصني
أوضح فيها نقاط الاتفاق والخلاف مع الآخر ..

,

المعرفة نبع يبدأ بفكر صحيح ولا ينتهي إلى مصب

,

أ. عبدالله العتيق
أفتقد دروسك كثيراً ..
إذ لا غنى عنها

شكراً لك
http://www.mnab3.com/vb/images/smilies/rose.gif


فاطمة العرجان
تكوين وجهة النظر الخاصة ، الشخصية ، تأتي بعد مرورٍ تكوينيٍ معرفي ، حتى تكون نفس المُسْتوجِهِ مطمئنةً
هذه :
المعرفة نبع يبدأ بفكر صحيح ولا ينتهي إلى مصب
جوهرة نفيسة ، راقتْ لي
لا فقدَ ، يعتريني تقصير لا أعذر نفسي ، و لا عذل من كريم
شكراً لك على الحضور


الساعة الآن 04:00 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.