1
في الصغر .. يكون الصيام هاجسا وأمنية.
كنت أتوجس خيفة من هذا الصيام !!
كيف أستطيع أن أمتنع عن الطعام من الصباح إلى المغرب .. ؟
خاصة أنني نحيل الجسم ، ضعيف البنية.
وكثيرا ما كنت أستغرب كيف يستطيع هؤلاء الصبر على هذا الجوع والعطش
.. والحر الشديد كل هذه الفترة ؟
في سن العاشرة ..
بدأت أمارس هذا الأمر ..
لكنني قبل أن أفعله قد هبته ، وأثرت حوله مشاغبات من الكثير من الأسئلة ...
هل من يصوم يموت من الجوع ؟
لماذا نصوم ؟
لمن نصوم ؟
لماذا من الصباح إلى المغرب ؟
لماذا لا نأكل المكرونة والشربة والمهلبية .. إلا في رمضان ؟ !!
ثم ما ألبث أن أبرر عجزي وضعفي من الصيام ..
فأعلنها صراحة لن أستطيع ..
ولا أريد أن أموت !!
كانت والدتي - حفظها الله - تصبرني على مصيبتي ..
ربما هي تحاول أن تدربني على الصيام على تحمل الجوع والعطش ..
قالت لي يوما : صم إلى أذان الظهر !!
ثم صم في اليوم التالي إلى العصر !!
وبعد أيام صم إلى المغرب !!
ثم لك أن تصوم يوما وتفطر يوما !!
فكرة رسخت في ذهن طفل العاشرة ...
سأصوم غدا إلى الظهر ..
فقد أصدرت أمي فتوى بجواز هذا الصيام ..
كنت وقتها أغيظ أخوتي وأخواتي الكبار ..
ظنا مني أنني أفضل منهم بكثير .. ذلك أن لدي تخفيضات صيامية ليست لهم !!
عندما أرى علامات العطش والجوع على ملامح أخوتي ..
أشعر أنهم يرسلون لي بعض رسائل غبطة مفادها [ حظك ] !!
جميل هو الصيام .. إلى الظهر ..
قمة المتعة أن تأكل لوحدك دون أخوتك الكبار الذين إن جلسوا على صحن قال من مر به ..
كان هنا أكل !!
جميل أن أمارس الأكل دون أن يضايقني أحد
أو يلهف لقمتي آخر ..
جميل أن آكل ما اشتهي دون أن تمتد له يد غير يدي ..
جميل أن أجلس أميرا على مائدة .. وملكا على سفرة !!
والأجمل من ذلك أنني أستطيع أن أتذوق كل الأطعمة المعدة للإفطار .. قبل أخوتي ..
وخاصة [ المهلبية ] كانت أروع وهي ساخنة ..
كنت في ذلك اليوم اشعر بالسعادة تغمرني ....
ذلك أنني استطعت أن أحقق انجازا بالصيام من الصباح إلى الظهر ..
ومعه استسهلت الصيام ، وزالت الهيبة والرهبة ...
خاصة أنني امتنعت عن الطعام .. ولم أمت !!
أكثر شيء كان يخيفني أن أموت !!
في المساء لم أترك أحدا من رفاقي إلا أخبرته " استطعت أن أصوم "
.. وأرسلت تقارير إخبارية عن هذا الصيام لكل من زارنا في البيت ..
كانت عبارة : [ أبشرك صمت اليوم إلى الظهر ] هي موجز النشرة ..
كنت ألقيها على كل زائر يطرق بابنا ..
قلتها لخالي ، ولعمي ، ولجارنا ، ولعمتي ، ولخالتي ..
كانت ردودهم متفقة إلى حد ما ...
لكن بها شيء من السخرية .
للحديث بقية ...