\
ها قد دخل الفجر يا مشعل، وبعد أن أرهِق زميلي إثر أكثر من 7 ساعات عملٍ متواصلة.. ها أنا أسمح له بأن يلجأ لسباته، وألجأ أنا إلى جدران صورتك.. كما وعدتك
:
مشعل.. أدخل الآن زوايا قندي الصغير، هناك حيث أطراف البحر، وقلب كثبان العزلة، ولكن.. لا مانع من أن أمضيَ الآن مختالاً كزهرةٍ تنبت للتو في جوف البحر، وتهزم رونق المرجان بأناقتها النادرة.
:
إنني وعلى حسب قراءتي الصغيرة، سمعت منذ أكثر من 11عاماً بأن نظرية الشعر حسب ما جاء في (تلخيص الخطابة) تقول:
( إن ما يميز الشعر عن البرهان، أن التصديق البرهاني لا يحرك النفس على نحو ما يفعل التخييل الشعري، والدليل على ذلك أنه: ربما سمع المرء الثناء على جميل كان يعرفه جميلاً، أو الذم لقبحٍ كان يعرفه قبيحا، وكان التصديق لا يحرك منه شيئا، فإذا سمع الشعر الموزون هاج تخيله، فانبعث نزاعه أو نفوره إلى موجب تخيّله طاعةً للتخيّل.. لا للصدق)
لذلك.. فإن مشعل دهيّم لا يستحق الثناء، ولن يستحقه، وليس هو أساساً من يقف تحت سماء عطفنا يستسقي لذاته هماليل الذائقة. هو برأيي منشغلٌ بإتمام مشروعه الروحي في القلب/ بل منشغل بإتمام قلبه كرسالةٍ شرعية بالحب.. لهذا العالم، ويذكرني هذا المشروع بقول شاعر باكستاني يدعى (عبدالله أكبر خان) حين قال في مقطعٍ من خضرة طوافه البشريّ:
قلبٌ لأسترد به
روحي بعد الموت
وقلبٌ لأساعد من
يعجز عن إتمام
كفاحه الإيجابي
هذا هو مشروعي
أعلنه على الملأ
فمن يؤازرني؟
:
حين تقرأ هذه الصور والجدران لــ مشعل دهيّم.. فأنت تنتصر لمبدأ أن الشعر منظومة تخلق اللغة، والشعر هو الكائن الصعب الذي لا يجب أن يُتاح بالمجان بين أصابع الأرض قاطبة.. هو تعب الإقتناء، مُحال العثور، مستحيل الموطئ، إن الشعر إما أن يجعلك صاحب لغة مخالفة، وإما أنه أضاء اسمك في قائمة الخدمة المدنية، كموظفٍ سيأتي عليه يوم ويتقاعد ككل النخيل الكهولة، أو كما قال أحدهم ذات يوم ـ وأظنه د.محمد علي الحربي:
مْتقاعِد.. مِـتـّ/ ــقاعِد!!
:
يعلمني مشعل دهيّم منذ الــ(البدو تنتظر) أنني لا أنتظر الشعر يعبرني كما تعبر قطارات النقل بالناس العابرة من المنفى إلى الوطن أمام عينيّ.. وأنا الآسِن بجيوبي الفارغة حينها عند محطات الانتظار/ الـ سدى!.. بل على العكس من ذلك.. فهو أحد القلة القادرين على انتشالي من نقطة الغثيان/ إلى قمة الغليان. إنني يا مشعل لا أفعل كما يفعل أكثر الآخرين الذين أجادوا ترجمة الغرب بحكم تخصصهم العلمي الهائل، ولكنني واثق بأن قراءة أمثالك الندّر كفيلة بأن تننسف أعراف النقاد والمنظرين العرب الذين أسرفوا في مذكراتهم بالكتابة عن الرمانسيين الغربين العِظام. أوَليتهم جاؤوا يوماً إليك وإلى جدرانك وانتظار البدو لأمطار القصيدة.. أعدِك بأنهم لو ارتكبوا ذلك يوماً.. فإنهم سيثمرون يقيناً جديدا، حيث تباح لهم حسنة الكتابة عن الحق دون حاجة دساتير وحامورابيون!
:
يا سيدي.. قل أنك تحب هذا النص، وأجيبك بأن المآذن قد تنتحله كأذان جديدٍ لذاكرة الأجيال. إنني يا مشعل لا أحبذ الكتابة عن أسباب الجمال في هذه القصيدة قدر رغبتي طوعاً بالتشبث بنبضك حدّ الهتاف، سأقوله/ وأقول به كما يقول رشيد الدهام عن حبيبته:
[poem="font="simplified arabic,5,darkblue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=1 align=center use=ex num="0,black""]مَا ادري وش اللي في كلامك خنقني=كنّك بكل حْبال صوتي تعلقت![/poem]
:
يا مشعل..
أتعلم بالله.. إنني أصدّق أحايين كثيرة قول القدّيس أوغسطين حين قال: (إن في كل قصيدة يكمن جوهر الله).. وأنت الجوهر الذي لابد من احترامه، واحترام حوارييك من حولك لسببين.. أولهما أنك جوهر حقيقي لمعنى الشاعر والشعر،
وذلك حين يصبح الشعر ملكية النخبة وليس لَحْمِيّةً تنبت في أنوف الجميع كما تنبت نبتة (الصقل) بكثرة في اتساع المقابر. وأنك من الجهة الأخرى صعلوك حقيقي، ذلك الذي لا يكترث لاصطدامه بالموت/ الحيّ على أرضنا المسماة عمر الخليقة.. ولا هو المعنيّ بالخسائر ومغبات الفقر التي قد لا تحمد عقباها في حياة ميتٍ ضريرٍ/ يبصر بالقصيدة مثلك يا مجنون!
:
مشعل.. سيطول الحديث عنك.. ولكنني ـ ورب الناس ـ لولا هذه الحمى الوفية التي لا تفارقني بسهولة.. لما انتهيت عن الكتابة هنا إلا بعد أن يطرق القبر باب مماتي في هذا القند/ القبو الرحِب.
:
نعم.. قد قلت أعلاه بانني لن أنبس ببنت شفةٍ عنك.. ولكنني فعلت/ والأصح بأنك آخر الصعاليك الذين يحترمهم المطر، والبقاء.
/
لا تؤاخذونني على أخطائيَ المطبعيّة/ التعبّطيّة.. إنه المرض/ أجاركم الله.
سأعود بإذن رب يسوع
\