بعض من عرفت
الجزء الثاني
(14)
قم للمعلم وفّـهِ التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
احمد شوقي
سعد / استاذي الذي اصبح صديقي
في آخر سنة دراسيه , وفي مدرسة اكل عليها الدهر وشرب , التقيت معلّـما لم يكن ضمن طاقم التدريس الذي نهلت منه مانهلت من علم تبخّر مع الزمن , فقد كان تلقيناً اكثر منه علما , لكننا كنا نتراءى في راحات مابين الحصص , كانت المبادرة منه في المعرفه , فقد كان يراني اغلب وقتي اقرأ كتابا او كتيبا لاعلاقة له بمناهج الدراسه , فما إن تعلن الصافرة بدء الفسحة الطويله التي تنتصف فترات حصص الدراسه , حتى اركن الى احدى الزوايا البعيدة عن الضجيج , وأبدأ عراكي مع السطور , منسحبا عن كل ماحولي منهمكا في حدث الكلمه والصفحات.
دخلت يوما مكتب مدير المدرسه لأسأله عن أمر , لا أذكره الآن , فأشار لأستاذي أن يرى طلبي , فقام مشكورا يبحث في ارشيف المدرسه واجتهد حتى وجد ضالتي , وسلمني اياها بعد ان استأذن المدير الذي وافق مشكورا ايضا .
اخذ استاذي يسألني عن ما اقرأ وأن ماأقوم به غريبا في مدرسة اغلب طلابها لايهتمون بالقراءة الحره .
دار بيننا حديث قصير قارب فيما بيننا , وتواصل الحديث المتقطع بين حين وآخر , وعرفت منه انه من القارئين النهمين , وان لديه مكتبه بالبيت تحوي الكثير من الكتب والمجلات الأدبيه , واستمر الحال بيننا الى نهاية السنه الدراسيه , انهينا الأمتحانات وغادرت المدرسه منتظرا النتيجه .
بعد اسبوعين , رجعت الى المدرسه لأستلام الشهاده , ووجدت استاذي ومعه زميل له , في مكتب المدير ينتظرون من يأتي لأستلام شهادته .
استقبلني بشكل جيد وسلمني شهادتي , ثم اعقبها بدعوتي لمنزله ورؤية مكتبته على ان يرد الزياره ليرى مالدي من كتب , اخذت العنوان , وزرته في الموعد المحدد بيننا , والحقيقة هالني مارأيته من حجم مكتبته وحسن تنظيمها واحتواءها على العديد من كتب اغلبها لم اسمع عنها , فقد كان يسافر كثيرا ويجلب معه في كل مره حقيبة او اثنتين تئن من محتواها .
قضينا وقتا جميلا في استذكار مالدى الأدباء والشعراء من حسن القول وجميل التراث , وادهشني منه مكتبة موسيقيه تحوي العديد من التراث الغنائي الجميل , واكتشفنا اننا نجتمع في حب فريد الأطرش , وهذا زاد من عمق العلاقه .
وخلال سنوات عديده جميله , تبادلنا خلالها الزيارات والأفكار والاغنيات , كان رجلا رائع الفكر بشوشا كريما في عطائه وفيا لكلمته .
وأسفت ان اديبا مثله يعيش مغمورا فقد كان يشبهني في انزوائي وغرامي بالوحده , ضنين العلاقات الأجتماعيه إلا فيما يخدم هوايته من شبيه مثله .
بعد سنوات نسيت عددها , انفصلت عُرى تلك الصداقة الجميله , ليس بسببنا , بل من دوامة الحياه , التي تأخذنا من السكون الى الضجيج , ومن الفراغ الى الإزدحام , كلانا تزوج , كلانا انشغل بتقلبات الحياه , ونكدها المرغم احيانا , ثم جاء الهاتف , فتواصلنا معه ردحا من الزمن , الى ان طحنتنا دوامة الحياه , واصبح لكل منا طقوس حياته المختاره والمكرهه , زوجات واولاد وامراض واختلاف مزاج ... الخ
لازلت اذكره بكل خير , فقد اكسبتني الحياة من شخصه فكرا ومن صومعته ثقافة استقامت معها ذائقتي , كان يختار لي احيانا ماأقرأ ويمتدح لي كتابا ويصف لي بعض محتواه , فيشعل فضولي واستعيره ثم اعيده .
في مشوار الحياة يركب معك في قاطرتها من تأنس اليه وتأسف على فراقه , لكنها محطات الحياه , فإن لم تنزل انت , نزل هو , وبقدر فرحتنا باللقاء , نحقد على الوداع .
الله يذكره بكل خير
شهادة اتمام الدراسة الإبتدائيه

المدرسه العزيزيه
منها شهادة السنه الثانيه الإبتدائيه
القادم ( ... )