ها أنا على قيد الحياة وبكامل صحتي ولا أشكو من أي علة , وعقلي مازال يزنُ بلداً بعرف الميزان
العربيٌ , فجميع أموري أعيدها إلى مقر الجامعة العربية في القاهرة فأنا رجلاً قوميٌ حدٌ النخاع ولولا بعضاً من أمور لأعدت صياغة خريطة العالم من جديد .. لكنه القدر ولعنة الأحياء الذين يرون بأن الإنسان إذا ما كان قادراً على التنفس فبإمكانه أن يغير كل شيء وأسقطوا تفاصيل صغيرة
هي أكبر منهم ..
أكتبُ إليك شيئاً سوف يُضحكك كثيراً .. !
فأنا أكتب لكَ وأنا أعيشُ حالة فيها غرابة بل هيَ أشدُ من ذلك , فلقد قررت للحظة أن أتبرأ فيها من جسدي محتفظاً بروحي النقية الطاهرة لعلني أشارككَ تلك التفاصيل الصغيرة التي تعيشها وأنت الأن تقرأ رسالتي هذه .. أي أني أكتبَ إليك محاولاً أن أكون مهذباً و أبدي إحتراماً كبيراً لرجلاً ميت !
أريدُ أن أخبركَ بأن غرفتك الباردة تسأل عنك كثيراً .. وقد إشتاقت لنواحك الذي جعل منها جدران
صماء قبل أن يلعنك من خلفها من الجيران , تخبركَ بأنها مازالت وفية لك وبان ثمة جزءاً منها
قد خان العهد و أنارَ الأضواء فرحاً بموتك في فترة العزاء ..
الستارة الحمراء .. !
قد تغير لونها كثيراً وأصبحت ذا لونٍ يُشبه غروب الشمس في نيسان .. فجميع وعودها لك قد
سقطت , وأصبحت ستارة تبحث عن غيركَ في غرفتك , وأنا هُنا لا أخبركَ ذلك بقصد سوء
معاذ الله , بل لأنني مازلت أشعر بشيءٍ من تأنيب الضمير .. فلقد تركتكَ وحيداً تحارب شتاء
السنين القارس , ولم أبادر يوماً بأن أحضنكَ بين جدراني وأنثر بعضاً من الدفء ليملأ قلبك الحزين .
أكتبُ إليك عن ذلك المكان المُطل على مدينتك الجميلة , أعلم كم تحبها رغم أنها تنام باكراً
وتترككَ طوال الليل وحيداً , أخبركَ بذلك المكان الذي كنتَ تتردد عليه كثيراً , فحفظت عدد
الشجر الذي تمرَ به في طريقك إليه , وشكرتهُ على تلك الإطلالة البانورامية لمدينتك النائمة ,
أتذكرُ عندما كنت تذهب وحيداً هارباً إليه من الجميع ! فتجدُ نفسك بين أحضانه .. وحيداً ,
لقد تغير ذلك المكان كثيراً , فلم يعد طيفك وحده من يلمؤه , لقد أصبح مليئاً بأمثالك عندما
كنت تزوره , فمواطنيٌ مدينتك أصبحوا لا ينامون , ورغم ذلك يلعنون مدينتهم التي تنام
باكراً , أخبرني أنه مشتاق إليك رغم أنه لا يجد الوقت الكافي لأن يشعرَ بشيء فهو مشغولاً
بما أبتليَ به مِن مَن أتوا من بعدك .
أكتبُ إليك عن دانكن دوناتس .. !
فلقد قرر وكيلهم في العاصمة أن يفتتح فرعاً لهم في مدينتك الصغيرة كنوعاً من التكريم لروحك
ووفاءك منقطع النظير لكوب القهوة السوداء , ولأنني أعلم أنكَ الأن غاضباً وبداخلك تساؤلاً
متطرفاً عنوانه .. لماذا لم يقوموا بذلك عندما كنت حياً ! حسناً لقد سألت مدير فروع الشركة
وهو بالمناسبة أمريكي الجنسية ويستلم مرتباً قدره 75 الف ريال خالي من الضرائب , سألته
لماذا تأخرتم ؟ أجابني بأنه يعتزُ بجنسيته الأمريكية ويشعر بالفخر عندما ينظر إلى تلك الجملة
القاسية التي تعلٌم جواز سفره .. سوف تتحرك البارجات لنصرة صاحب هذا الجواز , يقول أنه
رغم ولاءه الكبير لوطنه إلا أنه قد تعلم شيئاً جميلاً عندما أتىَ إلى المنطقة العربية , لقد تعلم
بأن ليس عليك أن تقوم بعملٍ خيري لإنساناً على قيد الحياة , فقط إنتظر حتىَ يموت وسوف
يكون الأجر أكبر وقد تدخل الجنة ! وهاهو يفتتح الفرع الجديد وهو بالمناسبة لايبعد عن منزلك
سوىَ 600 متر فقط من بعد محطة الدفاع المدني إن كنت قد تذكرها , أيضاً لاتنسىَ حاول أن
تعثرَ له عن مكاناً جيد بجانبك في الجنة .
أكتبُ إليكَ هذه المرة عن الوضع العربيٌ !
عن روحكَ المتعبة بفعل صلعة عمرو موسىَ الذي تخفيها شعراته البيضاء , بفعل النووي الإيراني و مشكلة مصر و الجزائر
الرياضية , حسناً الأخبار ليست جيدة , أعتذرُ لك مسبقاً عن ما سوف يصلك , هل تذكر مشكلة
منبع نهر النيل ! أخبركَ الأن بأنه لم يعد صالحاً للإستخدام البشري ولا الزراعي , فلقد حدثت
حرباً ضروس بين كلٍ من مصر وإثيوبيا وقد وقع ضحية هذه الحرب أكثر من 7 ملايين إنسان إمتلئت بجثثهم نهر النيل , ولا ترىَ هُناك سوىَ النوارس تأكل من بقايا جثث العرب , أما ما سوف
يحزنك سماعه فهو أن إسرائيل قد غيرت مكان عاصمتها ! فلقد أصبحت مدينة بيروت عاصمتها
الإقليمية , كل ذلك حدث بعد أن دخلت إسرائيل في مزايدة إلكترونية برعاية موقع أمازون وفازت بها بعد أن قدمت السعر الذي يرضيها ويرضي حزب الشيطان في الجنوب , دولتك وخليجك أتعلم
ماذا قد حل به ؟ حسناً أشعرَ بأنك تحتاج لإبرة فولتارين رغم أنك رجلاً ميت وذلك لشدة ما سوف
أسوقه إليك من مصابٍ جلل , بالمناسبة والشيء بالشيء يذكر حتىَ الأن لم يفز منتخباً عربيٌ بكأس العالم ! لكن دولة
مثل اليمن نستطيع أن نضع فيها الأمل ولو أن تتجاوز دور المجموعات .
أكتبُ إليك عن زوكيرو .. !
ذلك الفنان الذي تُحب كثيراً , والذي قلتَ فيه يوماً أنك تستغرب كيف لفنانٍ عظيم مثله أن يكونَ
على قيد الحياة , فالحياة لا يكون بها سوىَ الرُعاع وبائعي الكلام , كنت تقول زوكيرو هو من
الصفوة الذين أحب لكن مازال ينقصه شيء حتىَ يصلَ إلى الكمال , أن يموت !
فالحياة لا تكتمل إلا بالموت .. , أسوقُ إليكَ البشائر , فالرفيق زوكيرو قد رحل إلىَ جوارك ,
كان قد بلغَ من العمرِ عتيا , وفي إحدىَ الليالي الماطرة في البندقية قررت حفيدته الصغيرة أن
تذهب إلى البقالة القريبة من المنزل , فأصرت أن يذهب معها وذهب وذلك يعودُ إلى قلبه الطيب ,
عادا من البقالة وهما في الطريق أصرت حفيدته أن يأكل بقلاوة من يدها , فأكل واحدة وغصَ
بها , فكان عنوان صحيفة الموندو من صباح الغد .. رحل زكيرو بسبب بقلاوة ! .
أكتبُ إليكَ عن مامي !
أمير الراي الذي تطرب له أذنك , صاحب الصوت الرخيم , أبشركَ بأنه قد خرج من سجن
مارسيليا , وإستقل أول رحلة إلى مكة وأدىَ العمرة ومكث هُناك لشهور كثيرة , عاد بعدها
إلى الجزائر ملتحياً , وأصبح داعية وخطيباً في المسجد الأعظم ! وقد تزوج أربع نساء
ومنَ الله عليه بثلة من الأطفال أصبحوا يترددون معه إلى مكة في كل رمضان من السنة .
أكتبُ إليكَ .. عنك !
لقد إشتقتُ إليك كثيراً ..
كيف هم الرفاق .. ! حسني و سعاد و ذكرىَ ,
أوجدتهم في الجنة أم لم تعثرَ عليهم بعد ,
أكتبُ إليك عن ربكَ الرحيم بكَ .. فلقد خلصكَ من ماَسيٌ لو كنت حينها على قيد الحياة
لذهبت روحك إلى النار بفعل أمتك العربية .
م . ن