3. دواء .. شرير ..
ما استوعبته في تلك السن الصغيرة كان كبيراً علي ..كنت أعلم كوني خديجة و غير مكتملة النمو عند وﻻدتي ﻷن أبي كان يحكي لي قصتي كلما رآني أقهقه.. لكني فهمت اﻵن أن رئتي بها عيب خلقي و أن التنفس عندي سيء فعلاً .. و فهمت أن عليي أﻻ أركض و ﻻ أقفز و ﻻ ألعب و فهمت بأن هناك مجموعة من البخاخات و اﻷدوية عليي أن أتناولها طوال حياتي .. فهمت أن الربيع لعنة و أن الصيف لعنة و أن الشتاء يحبني جداً.. أما الخريف فسيجعلني أتساقط تنهدا ..و أنني سأكون بخير فقط لو أستمر على الدواء .. لكنه دواء شرير .. يجعلني أنام .. و يذهب عقلي و تفكيري .. و أسوء ما في الموضوع عدم إحساسي بالنعاس بل أصحو على صفعات الشمس المؤلمة و ﻻ أتذكر متى نمت؟ و ماذا أقول للناس ؟ نعم .. قولي أنك تعانين من الربو ليفهموا .. هو مرض بسيط .. التعايش معه سهل .. لكن الشعور باﻻختناق مخيف .. تشعر كأنك تسحب آخر نفس من الحياة قبل أن يغمى عليك .. ناهيك عن نوبات الربو .. و مدى أهمية الهدوء في أثنائها .. تعلمت الهدوء .. عدم البكاء أثناء الجزع .. و النظر إلى زميلاتي و هن يهرولن و أنا أمسك بالبخاخ في جيبي .. كان أبي الأكثر تأثراً بمرضي .. كان يبكي و يضمني .. و يهمس لي بأن أكون قوية و أن أعيش .. و كنت أعده بأنني قوية و أن الله يحبني و هو قد حفظني من قبل و سيحفظني دائماً ..
أصعب ما في الموضوع الحسرة على الشمس و الهواء و الركض .. اﻻعتزال في الغرفة بعيدًا عن مثيرات الربو ...رآني أخي الكبير فوضع في يدي كتابا و هو يمسح رأسي .. ستنسين .. اقرئي و حسب ...
كنت أقرأ .. أقرأ كثيراً جداً .. ﻷهرب من ضعفي ... و في صباح جميل أمرتني معلمتي بالوقوف و قراءة موضوع التعبير أمام طالبات الصف و كان الاكتشاف بأن لدي شيئاً مميزاً !