الخطّ الأحمر

[د. منال عبدالرحمن]

مع اقتراب رمضان و ازدحام القنوات العربيّة بالمسلسلات الغثّ منها و السّمين , كانَت لي وقفة مع مسلسل من انتاج رمضان الماضي , كانَ فيهِ للمخرج السّوري يوسف رزق ظهور مميّز غير مسبوق من خلاله ..
و من المعروف أنّ المخرج يوسف رزق اعتاد على تقديم الأعمال الجريئة الّتي تناقش المشاكل و الأمراض الاجتماعيّة بطريقة مميّزة و مقبولة و تستطيع تجاوز مقصّ الرّقيب من خلال الاحتراف الاخراجيّ العالي و طريقة التّقديم الّتي تعتمد أوّلاً و أخيراً على المتلقّي .
الخطّ الأحمر مسلسل اجتماعي درامي بوليسي سياسي معاصر يتناول بشكل أساسيّ مشكلة انتشار الايدز و طرق تفشيّه كما يعرض من خلال مجموعة من المصابين بمرض نقص المناعة امكانيّة اصابة كلّ شخص بهذا المرض بغضّ النّظر عن اقامته لعلاقة جنسيّة غير مشروعة ..
إنَّ طريقة تناول العمل للمصابين كلّاً على حدة بعد اقامتهم في مصحّ تابع لمنظمّة الصّحة العالميّة و برعاية وزارة الصّحة , و قبلَ ذلك اختيارهم من فئات اجتماعيّة مختلفة و طبقات ثقافيّة متعدّدة و من ثمّ عرض ملخّص تصويري لأمراض المجتمع العربيّ عن طريق اصابتهم بالمرض و منشأ كلٍّ منهم و طريقة تعاملهِ مع المرض .. كانَت إحدى أهمّ الرّكائز الّتي اعتمدَ عليها المسلسل و أدّت إلى نجاحه .
و برأيي فإنَّ التطرّق لطرق انتقال الايدز بعيداً عن قاعدة " الأشرار و السّيئون هم فقط من يصاب بالايدز " من خلال تناول شخصيّة " رائد " الطّفل الّذي يصاب بالمرض بانتقال الفيروس من أخيه أو الطّفلة " مريم " الّتي انتقل المرض إليها عن طريق نقل الدّم من والدها بعد حادث ما , كانَ بقعة ضوءٍ سلّطها المسلسل على عتمةِ الأحكام الاجتماعيّة المُطلقة و على سذاجةِ هذهِ الأحكام .

محاور أخرى تطرّق إليها العمل , مثل الشّذوذ الجنسيّ و الختان المتطرّف للبنات في بعض المناطق العربية أو رفاق السّوء و السّلطة و تبعاتها و الاغتراب و الوشم و الاغتصاب و امكانيّة انتقال المرض من خلال كلّ ذلك .
بالاضافة إلى معالجة نزوع بعض الشّباب إلى الموسيقى الغربيّة كتعبير عن حريّتهم الشّخصية و حاجتهم الماسّة إلى توجيهٍ عقلانيّ كونهم العامل المنتج في المجتمع .. إضافة إلى مناقشة مشكلة موسيقى الهارد روك و الميتال و ارتباطها بعبدة الشّيطان في عقول النّاس مع امكانيّة كونها وسيلة فقط للخروج من المألوف لشبابٍ مضغوط و محاصر في هواياته و رغباته و تطلّعاته .
التّصوير كان ناجحا جدا و اختيار أماكن التّصوير كان متوافقا جدا مع المشاهد الدّراميّة , و اختيار الشّخصيات المتوافقة مع العمل كانَ موفقّاً على الرّغم من ازدواج أدوار بعض الممثّلين في الجزء الأوّل و الثّاني .
المحور العاطفي للعمل كانَ فاعلاً جدّاً من خلال وجود شخصيّتيّ الطّفلين المصابين بالايدز , إضافةً إلى الحسّ الوطنيّ من خلال احباط عمليّة ارهابيّة خارجيّة هدفها النّيل من الوطن .

و في نهابة العمل كانَت هناك لمسة خاصّة من الأستاذ الموسيقار سهيل عرفة من خلال أغنية " صرخة من قاسيون " الّتي تشكّل مزيجاً من الموسيقى الغربيّة و العربيّة و تعبّر عن الوجع العربيّ في كلّ مكان .

الخطّ الأحمر عمل عربيّ متكامل واقعيّ جريء يطرق الأبواب المغلقة للأمراض الاجتماعيّة الّني لا زال الحديث عنها يختبئ تحتَ مظلّةٍ مهترئة من العادات و التّقاليد و الأحكام البالية ..و الّتي تحتاجُ إلى الكشفِ عنها أوّلاً حتّى يُستطاعَ محاربتها و القضاء عليها تدريجيّاً بدلاً من تفشيّها كالايدز و السّرطان في جسد المجتمعات العربيّة .
و لا أنسى بالطّبع الدّور الأكثر من مميّز للطّفل سليمان رزق " رائد " الّذي ارتجلَ الكثيرَ من الكلمات و المشاعر و الدّموع الصّادقة في بعض المشاهد , حسب والده المخرج يوسف رزق .

شُكراً لأسرة العمل , شُكراً يوسف رزق .

صرخة من قاسيون [ youTube ]