(] حكمة القمر [)

[عبد الله العُتَيِّق]

[] حكمة القمر[]

جمع مجلس بين القمر و الكواكب فكان حديثاً شيِّقاً مفيداً :
قالت الكواكب للقمر : كيف أنت في محلك هذا ؟
قال : كأنني أسدي للكون جمالاً ، و أزيده جلالا ، و أجعله بهيا ، و أصيره سنيا .
فقالت له : ألا تتعب ؟
قال : لا ، لأنني أعيش ذاتي و آثاري ، وهكذا العظماء في أنفسهم .
فقالت : و نحن مثلك هنا ، و لم نكن مثلك !
فقال : لو كنتم عظماء في ذواتكم لكنتم عظَّمتم أحوالكم و آثاركم ، و لكن أنتم يا أصحابي رضيتم بمجالسكم و أماكنكم و اعتقدتم أنكم في علو منزلكم تعلو منزلتكم .
فقالت الكواكب : و لكن فينا من هو أكبر منك .
فقال : نعم ، و لكنهم ليسوا بقوة ذاتي .
فقالت الكواكب : و لماذا أهل الارض يحبونك ، و يتغزلون بك ، و يخاطبونك ، و نحن لا ؟
فقال : لما فتحت لهم نفسي ليصارحوني بدأوا معي بكل شيء ، حتى إن الحبيبَ يحدثني عن شوق قلبه لحبيبته ، و حبيبته كذلك ، و الغريب يرسل معي رسائله لبلاده ، و الكبار من أصحاب الطموحات يرتقبون فيَّ صورة لهم . و لكن أنتم لا يرون منكم إلا ما يثبت وجودكم في هذا المكان العلوي ، و إثبات الوجود لا يعني إثبات الجود .
قالت الكواكب : و هل تعرف لغات أهل الأرض ؟
قال القمر : نعم ، كما أعرف لغاتكم ، نحن هنا في الكون أجزاء من كل ، و نحن جسد واحد ، و نعرف لغاتنا الكونية .
قالت الكواكب : يا إنك عظيم أيها القمر ، و كنا نحسب أنك لا شيء .
فقال : و هكذا حال أهل المكان الواحد و الزمان الواحد ، لا يعرفون لمكانيِّهم و زمانيِّهم قيمته بقدر ما يعرفها الآخرون .
انظروا إلى الأرض و قيمتها ، هي أصغر شيءٍ و لكنها عظيمة ، و الله اختارها لتكون محلا للناس و الخلق ، لماذا لم يخترْ غيرها من الكواكب ، و الأرضُ نستصغرها و نستحقرها في مجموعتنا .
قالت الكواكب : لم ؟
فأجاب : لأنها تميزت بقوتها و ثباتها و إمكاناتها ، فلم تنظر لحجمها ، لأن القوة هي قوة الذات و الروح ، و الجسد يخدم ذلك .
قالت : إذن ، لنكن مثلك و مثل الأرض ؟
فقال القمر الحكيم : لقد فاتت الفرصة عليكم ، و " رضيتم بالقعود أول مرة ، فاقعدوا مع القاعدين " .
يا أصدقائي تصاريف الكون فرص لا تعود ، فكونوا مستعدين لقبولها .
قالت : نحاول .
فقال : حاولوا ، و لكن خارج المجال ، فلا فائدة .
أستأذنكم فإن لدي رسالةٌ من أرواحِ الـ " ولاء " الصادق إلى قلبِ محبٍّ يلْزمني أداؤها قبل نومه .
وذهب القمر .

عبد الله العُتَيِّق
1/8/2008،29/7/1429
الرياض