يتفتت وجهك من وهج المآذن .. من أغلفة المصاحف .. فتلملمه من عتبة الصباح وتصيح (( يا حجارة الأرض خذيني )) .. تخلع عينيك وتهبهما للبكاء .. تكنس الطرقات بيأسك وتشتهي سحنة الأخيار ، ما كان ينبغي لقطع الجبن أن تكون بهذا البياض .. ولا للقمر أن يتبجح بكتلة الصفاء التي تسكنه ، وأنت المسكين .. كلما أمسكت ورقة وقلماً رسمت سلالم مكسورة فوق أحذية قذرة .
كبرتقالة معصورة هو قلبك ..وعصيرها شربته جنيات العشق الساحرة وصهيل الأشواق في الأمسيات الناتئة .. والمسافات الخشنة في الكتابات الهائمة ، ترميك الأيام بإمرأة رائعة .. يسكنها العطر والشوق ورائحة الكهوف التي تراهن على فضولك ، يجري دمك بصوتها .. بضحكتها .. بفكرها ، لكنّك وأنت لم تزل تعدّ شهور عشقك .. تولي هارباً .. تحمل جثة الحب بين يديك .. تدوس الأرصفة .. وتدوس معها قلب امرأة نقية أحبتك .
قمرٌ أسود بشعر أشيب يتراقص عن يسارك .. وأنت تُشعل أول دخينة في شبابك .. وعن يمينك مساء هزم كل جنودك وانتصب كجراب فارغ يتسع ويتسع ليبتلعك ، كنت يومها ناي ضعيف لا يحتمل نفخ الزمان ، كنت محبطاً ترى الزهور عيون بلهاء تركها المطر لتهتك سر البشر ، من يومها وأنت تخاف الإنكسار .. تفر إلى الأمل .. لا لتحيا سعيداً .. بل فقط لتنجو من فخ المعصية .
لوحة النيون المتعرية على هذا الجدار .. أما تعبت من الرقص بضوئها ؟! .. أما ملّت الضحك بصوتها السافر؟! ، هي لا تغسل وجهها كل صباح لتجتاز البنايات المتسولة على ضفاف الأرصفة لتقابل مديراً بسلامٍ خجل .. لا تقضم أظافرها لكذبة تعتذر بها عن مصيبة التأخير ، لا تعرف النفاق فيورق فيها اليتم والوحشة ، وتلك الشجرة المندسة تحت بيتك .. كأنما هي قائمة تصلي .. تتوضأ جذورها وترفع أغصانها تناجي ربها .. وأنت في داخلك قلب شجرة .. لكن متى تصفو روحك ؟!وقلبك يفكر في الخطيئة .
الوقت رجلٌ محتال .. يشرب معك شاياً يتنفس نعناعه البلدي .. يشاركك جثث الكلام التي تنثرها على موائد الأصدقاء .. يطالع جسد امرأة رخيصة في حوانيت القنوات .. يصرخ فيك قلب الشجرة .. تناديه .. لكنه يهرب منك .. دوماً ننسى أو الوقت تفاحة نقضمها .. ولا يتبقى في ذاكرتنا غير لونها .
قزمٌ أنت .. وأنينك أصبح بقامة نخلة .. بقامة بحر ، تنام .. تحلم .. تنسى .. لكنّ ذنوبك لا تنام .. ألسنتها طويلة يوم الحساب .. شهادتها قاضية ، تشتهي لو هذه الغيوم النقية تسقط في روحك .. تُمطر فيك دعواتها .. تسبيحاتها . فقد تفوز يوماً ببرد المغفرة .
=============================
ــ شكري وتقديري للأستاذ عمر بن عبدالعزيز على توجيهه لي في الجزء الأول من السيرة .
ــ الدخينة كلمة وضعها الرافعي للتعبير عن السيجارة .