في باحةِ منزلها العتيقِ ، نخلةٌ هرمةٌ ، وخزّانُ ماءٍ صدء ، وأكوامٌ من حطب السمرِ المكدس في أحد أطرافها
يحيط بالمنزلِ جدارٌ طينيّ متهالك يلتقي طرفاهُ ببابٍ خشبيّ يُدعّمُ بحجرين لإغلاقه . لم تكن تستجيب لتوسلات
أبنائها المتواصلة في أن تنتقل إلى المدينة ، كانت متشبثة بمنزلها ولم تفارقهُ حتى فارقتها روُحها إلى بارئها .
كانت تزّين الليالي بأحاديثها وبقصص البدو السابقين وأشعارهم وبطولاتهم وحكاياتٍ كثيرة ظريفة ومضحكة
وأخرى مخيفة . كنّا نُحبها ونقدسها ونشتاق إليها في البعد .
في ليلةٍ مكتملة القمر ، أشارت بيدها المعروقة إلى السماء ، طالبةً منّا أن ننظر إلى القمر و إلى الشجرة السوداء
في داخله " وتقصد الحفر الموجودة على سطحه " قالت : هذي الشجرة مسجلن عليها أسماء الناس كلهم ، وأي
بني آدم تطيح ورقته يموت . لم تكن تدركُ بأنّ حديثها هذا سيتخلّق في عقلي الباطن على شكل خوف ، فمنذها
وعلاقتي مع القمر ليست على ما يرام ، ففي كل ليلةٍ بيضاء أنتظر موعد سقوط الورقة التي تحمل اسمي لأموت 
كانت كمعظم الجدّات اللائي يشبهنَ السحاب نقاءً وعطاء ، ويقتطعنَ من قلوبِهنّ قلوبَهُنّ لفرطِ الحنان الذي يحملنه
أحُبها كثيراً وأفتقدها أكثر ، وما زالت ذكرياتنا معها منقوشة في الذاكرة وعصية على النسيان . وما زلنا نسترجع
سيرتها عند اجتماعنا نحن أحفادها . رحمها الله وأسكنها فسيح جناته .
في الـ 28 من شهر شعبان 1427 / ودعتنا
ليديها المخضبتان بالحناء . سلامٌ وقبلةٌ ودمع