من خطواتهم نعرفهم! - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
الانجذاب الأخير "هجين من القصة والشعر والخاطرة" (الكاتـب : إبراهيم امين مؤمن - مشاركات : 0 - )           »          الوقوف مبكراً على الناصية (الكاتـب : منى آل جار الله - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 3 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 75372 - )           »          !!!!! .....( نـــــذرولـــــوبــــيــا ) ..... !!!!! (الكاتـب : خالد العلي - مشاركات : 164 - )           »          ارتعاش في جوف الصمت. (الكاتـب : عُمق - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 3 - )           »          فواصل شعرية ( 3 ) العيد (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 20 - )           »          العُتاةُ على العُروشِ! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          ادعوهم بأسمائهم (الكاتـب : عبدالإله المالك - مشاركات : 0 - )           »          من خطواتهم نعرفهم! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          على السكين .. (الكاتـب : عبدالله السعيد - مشاركات : 1 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد المقال

أبعاد المقال لِكُلّ مَقَالٍ مَقَامٌ وَ حِوَارْ .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-10-2025, 11:16 AM   #1
جهاد غريب
( شاعر )

الصورة الرمزية جهاد غريب

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 3052

جهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي من خطواتهم نعرفهم!


من خطواتهم نعرفهم!

هل تأملت يومًا كيف تخبرنا الخطوات بما لا تقوله الشفاه؟ في زحام الأرصفة، تحت ظلال المباني التي تحجب الشمس وتتركنا لأنفسنا، يتكرر مشهد لا نكترث به، رغم حضوره الدائم: رجل يسير بخطى واثقة، رأسه مرفوع، عيناه تتنقلان بين الوجوه والسماء؛ وامرأة تمشي بنظرة حذرة نحو الأرض، كأنها تحصي بلاطات الطريق أو تُفتش عن إجابات في الحصى. ليس هذا اختلافًا عابرًا، بل عادة رسختها طباع أو جُبلت بها النفوس. ومن هذا الفرق الصامت تبدأ الحكاية.

المرأة تمشي كمن يحمل سرًا، أو كأن كل خطوة منها تمر عبر مرآة فاحصة. ليست نظرتها إلى الأسفل خنوعًا، بل حذرًا متأصّلًا، شعور بالمسؤولية المزمنة: عن الذات، عن المظهر، عن صدى الخطوة. خطواتها تقول: "أنا موجودة، لكنني لا أمشي عبثًا… أنا أعي ما أفعل، وما قد يحدث".

أما الرجل، فتسير قدماه بروحٍ غير مثقلة، رأسه لأعلى وكأنه يتحدى شيئًا غير مرئي، يزاحم السماء بنظرته. لا يخفض رأسه إلا ليرد التحية أو يتجنب العثرات. في مشيته زهوٌ قد يكون نابعًا من ثقة، أو من رغبة دفينة في أن يبدو قويًا، منطلقًا، حرًّا. كأن الأرض لا تهدد خطاه، وكأن السير عنده وسيلة للسيطرة أكثر منه للانتقال.

لكن لا نُسارع بالحكم. فهناك دومًا استثناءات تخرق القاعدة وتعطيها الحياة. الرجل الخجول الذي يحدّق في قدميه، والمرأة التي تمشي وكأن الطريق كله ملكٌ لها. وهناك مشية لا تعرف جنسًا، مشية المهابة، التي تنساب بثبات، تُشعرك أن صاحبها يعرف إلى أين يذهب، حتى لو لم يقل شيئًا، حتى لو لم ينظر إليك.

ولأن الحياة لا تخلو من روح خفيفة، فلنلق نظرة على أنواع المشي التي نراها كثيرًا في الشوارع، والتي لا تحتاج إلى محلل نفسي، بل إلى عين تضحك وقلب يتأمل.

انظر مثلًا إلى تلك التي تمشي بخفة لا تُكاد تُسمع، خطواتها ناعمة، كأنها تطفو لا تمشي، الهواء يسندها لا الأرض. مشيتها أشبه بالسحاب، تحضر وتغيب، كأنها مرت من هنا ولم تمر. وحده الغياب يفضح وجودها، وحده الأثر الذي لم يُترك يخبرك أنها كانت هنا.

ثم تلمح امرأة أخرى تتقدّم الزحام كالسهم، حقيبتها تسبقها، وعباءتها تسحب خلفها شيئًا من العجلة. تمشي كأنها على موعد لا ينتظر، أو كأنها تطارد وقتًا أفلت منها. هذه مشية العجلة، تقول لك بلا كلام: "أنا متأخرة عن العالم".

وفي الطرف المقابل، ترى من تخطو بخجل، تقف كل بضع خطوات، تُعدّل حجابها، تتحقق من حقيبتها، تتلفت وكأن الشارع يراقبها. خطواتها غير متوازنة، لا تبحث عن وجهة بل عن اطمئنان داخلي. إنها مشية الترقّب، مشية من يشعر أن كل عيون العالم مصوّبة نحوه.

ثم هناك تلك التي لا تمشي بل تؤدي عرضًا صامتًا. جسدها كله في حالة استعراض، من الرأس إلى الكعب. خطواتها محسوبة، التفاتها مقصودة، وكأن الشارع خشبة مسرح، والمارة جمهور مدعو للانتباه. تمشي لا لتصل، بل لتُرى، لتُترك في الذاكرة كمشهد لا يُنسى. هذه مشية العرض المسرحي، التي تتحدث دون حاجة إلى صوت، وكل خطوة تقول: "أنا هنا، فانظروا جيدًا".

وما بين هذه المشيات وغيرها، تبقى الخطوة أكثر من مجرد حركة؛ إنها رسالة مشفّرة، لا تُقرأ إلا حين نُبطئ نحن خطواتنا وننصت.

لكن الخطوات لا تقتصر على النساء!، فالرجل أيضًا يسرد حكايته عبر المشي. هناك من يسير كالنسر، رأسه مرفوع، لا يرى السيارات ولا المارة ولا الحفر، وربما لا يرى نفسه أصلًا، كأن شيئًا في الأفق يناديه. خطواته تعلن أن لا شيء في هذا العالم يستطيع إبطاءه.

وهناك من يسير ببطء، بخطى رجل عرف الحياة، مشى كثيرًا حتى بات يعرف الأرض من ملمسها، لا من شكلها. كل خطوة منه تحكي تعبًا لا يظهر على وجهه. هذا رجل لم يعد يستعرض، بل يتقدّم بحكمة، كأنه يقول: "لقد مررت بالكثير، ولن يهزني شيء الآن".

ثم تلمح ذاك الذي يبدو خارجًا من مشهد في فيلم أكشن، كتفاه مشدودتان، نظرته تتنقل بسرعة، وكأن هناك خطرًا خلف الزاوية، أو أنه على وشك إنقاذ العالم من مؤامرة كونية.

وبين كل هؤلاء، يظهر رجل يسير بحذر لطيف، يخطو كأن الشارع أوسع من طاقته، يخطو وكأن الرصيف نفسه يسأله: "إلى أين أنت ذاهب؟" خطواته تخبرك أنه لا يبحث عن وجهة محددة بقدر ما يبحث عن مساحة يرتاح فيها من زحام الأسئلة. كل مشية منهم حكاية، وكل خطوة فيها ما يشبه الاعتراف.

طريقة المشي تكشف أكثر مما نعتقد. ليست مجرد حركة تلقائية، بل مرآة صامتة لما نحمله من ثقة أو قلق، من رغبة في التوارِي أو الظهور، من رسائل لا نملك شجاعة قولها بالكلام، فنمررها في هيئة خطوات.

ربما آن الأوان أن ننتبه إلى أنفسنا ونحن نمشي. لا لنعدّل مشيتنا، بل لنتأملها، ففي تفاصيل الجسد، هناك بوح لا يكذب، يخبرنا من نكون، دون أن ننطق بكلمة.

وقد يخطر لك أن تسأل: هل يمكننا أن نعرف الآخر من مشيته؟ ربما لا نعرف كل شيء، لكننا نلمح ملامح. المحافظ، الواثق، الخائف، المتردد، المندفع، كلهم يُترجمون حضورهم في طريقة السير، فالمشي ليس مجرد انتقال، بل شكل من أشكال التعبير عن الذات.

في النهاية، ربما لا نحتاج إلى أن ننظر كثيرًا إلى الأعلى أو الأسفل أثناء المشي، بقدر ما نحتاج أن ننظر إلى الداخل، إلى دوافعنا، وإلى ما تحمله خطواتنا من معانٍ. فهناك حكمة قديمة تقول: "الطريق يكشف السائر كما يكشف الاتجاه".

جهاد غريب
يونيو 2025

 

جهاد غريب غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:23 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.