
من قال يارفاق أن الحزنَ يعرفنِي
أنا لم أحزن مُذ خرجت إلى الحيَاة , أنا لم أبكِ قطّ , ولَم أسكبْ فِي قلبِي الأنين
أنا كنتُ الطائر الذي يطيرُ ويطيرُ , لَم يهبط يومًا على الأرض , ولَم يرتطم بأعمدَة الحيَاة
أنا لَم أشربِ المَاء إلا وراضيًا به عذبًا أو مالح , لم يسخطِ الناسُ عليّ يومًا
ولم أُبكِ العيونَ أبدًا , ولَم أرحل عمن أحبنِي , ولم أخذل مَن تعلّق بي , ولمْ أسافر دونَ بدنِي
أنا كنتُ السمَاء التِي تنظر إليها القلوب , والأرض التِي تنامُ عليهَا الأفئدة
أنا كنتُ الروحَ إذا ما استفاقَ الجسدْ , وكنتُ النومَ إذا مارفرف الحلمْ , وكنتُ الحريّة إذا ما استعبد البشر
كنتُ الكثِير تحتَ الليالِي , والكثيرَ بينَ جنباتِ النهار , والكثيرَ على أسقفِ الأعياد
سكنتُ مواويلَ العشاقْ , ومزّقتُ قصائدَ الفراقْ , وطمأنتُ المجروحِين , وغسلتُ قلوبَ الخائنينْ
أنا لَم أمشِ طريقًا لايرانِي فيهِ الناسْ , وماجلستُ بمقعدٍ تحفّنِي فيهِ الأشواقْ , وماطعمتُ المرّ إلا واستعذبتهُ
أنا مازارنِي السّهادُ إلا فرشتُ لهُ العينَ اليمنَى , وأغمضتُ اليسرَى , ماتركتُ مضجعِي إلا لرفيقٍ أضناهُ الليلْ , ولعزيزٍ تجرّعَ الويلْ
أنا المسافرُ بأجنحةِ الفرَح , الموهومِ بصوتِ القمر
أنا الذِي كلّما عجزَت نفسٌ , أيقنتُ بالبصر , وصدّقتُ بالقدر . .
أنا أكذّبُ مايقوله الرفَاق ؛ لِأصدّق نفسي !
* بُشرى المطر