|
معرفات التواصل |
![]() |
|
أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا . |
![]() |
|
أدوات الموضوع
![]() |
انواع عرض الموضوع
![]() |
![]() |
#1 | ||
|
المقامةُ الإقْطِيَّةِ حدَّثنا أبو الطيِّبِ الوائليُّ قال : سَرَتْ بِيَ أيامُ الزمانِ ، و تنقُّلاتي بَيْنَ الأوطانِ ، إلى أن ندبني ذا خصال وافيةٌ ، و قَصَدني ذا نفسٍ صافيةٍ ، أنْ آتيه بِإِقْطٍ ، الذي ما مثله قط ، فلبيتُ الطِلبة ، و حققتُ الرغبة ، و سعيتُ جاهداً ، و سرتُ راشداً ، فأقبلتُ على مواقعِ بَيعه ، و نَحوتُ مناحي صُنعه ، و ذاك محلُّ الظن مني ، حين نأى اليقين عني ، فلم أظفر بحاجة ، و أحرقتني شمس وهاجة ، و كانت أرضُ الخفس ، ذات أنس النفس .
ثُم يممتُ نحو روضة خريم ، المدروء عنها الضيم ، فقصدت مدخلها ، لكونه أولها ، فلقيتُ امرأةً أعرابيةً ، سلاسلها عربية ، فكان الحديثُ الدائر ، الشاهد الحاضر . بادرتها سائلاً عن سعر إقطها ، و قد ضمنت عَده بإبطها ، بكم أيتها الأعرابية هذا ، فقد عُذبتْ كمن آذى ؟ . فقالت : بثلاثين مع خمسة ، ريالات مباركات لا نحسة . فتعجبتُ من غلائه ، و راجعتها في اهترائه ، متوسلا إليها ببعد المسير ، و انقطاع خبر الخبير ، أنقصي منه قليلاً ، فبالكاد وجدت إليك سبيلا . فأعقبتْ بقولها : أتراجعني بقيمته ، و لم تدرك مدى أهميته ؟ فقلتُ : يا هذه القاعدة ، ذات النفس الراقدة ، إنما أستعطفُ أصول العرب ، و أسترأف شمائل ذوي الأدب ، و لعلَّ بيننا ذاتُ قربى ، فتكوني إليَّ ذات رُقبى . فقالتْ : أأُتعبُ فيه بالأمس يدي ، لأظفر بمالهِ في غد ، و تأتي بأعوج القول منك ، و قبيح الرأي لك ، تسألُ إنقاصَ السعر ، أصلاك ربي دار الجمر . فأخذتني ثورة الغضبان ، و أشعلت في قلبي النيران ، فقلتُ : تبا لك أيتها الشمطاءُ ، و الحية الرقطاء ، و العيون العمشاء ، و البشرة الدهماء ، أهذا جزاءُ من ارتجى استعطافك ، و استمنحك ألطافك ، تقابليه بقبيحِ الكلام ، و تغدقيه بسيءِ المقام ، أما علمتي بأنني استفتحتُ بك الأعراب الجالسين ، و بدأتُ بك سائر البائعين ، راغباً أن تكوني الرابحة ، و البائعة الفالحة ، لترجعي لزوجك و بنيك ، و أمك و أبيك ، ببيع مبارك ، لرجلٍ طاهر السبل و المسالك ، و لكن الأسف يغمر حالي ، و الحزن يعمر بالي ، أن كنت قاصداً من ليس إلا بئس البائع ، و هو في أخلاقه أحمق ضائع . فقالت : هه ، أتظنني أميل بعاطفة ، و لكلامك نحوي عاصفة ، أترى ظهرك و كتفك ، أقبل بهما نحو محل حتفك ، لتدبر عني مذموماً ، و تزيل وجهاً محموماً ، فإني لا أرغبُ إلا بذا السعر ، فاقبله و إلا فأُصْلِيْتَ دارَ السُّعْر . فقلتُ : ما تريدين بمحل حتفي ، علا رأسك سيفي ؟ ، فقالت : سيارتك الفخمة ، الشبيهة بالفقمة ، جعلها الله محلَّ قبرك ، و مكمن عمرك . فقلت : أتعدين بالعلم ناقة و عنزاً ، و تطلبين شرفاً و عزاً ، ألا قطع الله أنفاً أنتي حاملته ، و كسر سناً أنتي حاضنته ، انظري لجسمك المليء بالتخمة ، لكأنك حوتاً لا فُقمة ، ظننتُ فيك أصالة الفتيات ، من البدويات القائلات ، " حنا بنات البدو يا زين حنانا " ، فقد ذهبن و أبقين نساءً _ مثلك _أشبهن شيطانا . فقالت : أبك يالحضري ، أما إنك قبيح جري ، اذهب فلن أبيعك ، و لن أعطيك و أطيعك ، قلتُ ربما تكون رجلاً ، فإذا بك أهبلا . فقلتُ : المال معي في يدي ، أتبيعين فتسعدي ، و إلا قصدتُ الأعرابي الجالس ، في عرقه الخائس ، أبرمي أمرك ، و أدركي عمرك ؟ . فقالتْ : هاتِ قيمته ، و تلذذ بصنعته ، فأنا فيه ناصحة ، و بإنتاجه واضحة ، فربما تسعى إليَّ ثانية ، بخطاك الحانية . فقلتُ : ما أقبح السرج على البقر ، و ما أشينَ الكحل في العور ، أتجعلين بغطرسة و زهو ، الخطى ذات حنو ؟ ، لو علم عنك سيبويه ، لجعلك في الشر سبيهة ويه . فأعطيتها مالها ، و تركتها لحالها ، فقالت _ و حالي عنها مدبرٌا ، و كنت لها مستظهرا _ : ، سترجع إليَّ شارياً ، فإقطي في السوق عالياً . فقلت : القوم عندنا قد انتهوا ، و غيرك بالشهامة انتخوا ، فالريالات الخمس لم تنقصيها ، و طول مسيريتي لم تعتبريها ، أأقصدك مرة أخرى ، تلك إذا جريمة كبرى ، عيشي زمانك في صحارك ، و أقبلي على عنزتك و غبارك ، و في حفظ الله إن رغبتي ، و رعايته إن قبلتي ، و لا أظنك راغبة ، و لا الجنة طالبة ، لجهالتك و غبائك ، وانعدام ذكائك . فقالت : اذهب بلا رجعة ، و لا علاجا لوجعة ، فأف لمال آخذه منك ، لا أدرك منه إلا الضنك ، لا بارك ربي فيه ، و لا طعمت منه ما أشتهيه . فقلتُ : ويح أبيك وأمك ، و كفيتي غمك و همك ، قد كنت معك ممازحا ، فكوني لي مسامحاً ، فلا أدري ما حال الدرب ، أأصل بخيرٍ أم ينالي العطب ، فأموتُ و أنتي غضبى ، و لا رعيتي في حق القربى . فاستقليتُ سيارتي ، قاصداً ربوع بلدتي ، فدخلتُ في جوِّ الخيال ، بعد أن أورثتني الحمقاءُ الخبال ، فاسترجعتُ حديثَ الساعة ، و تعجبتُ من جرأتها ركبتها المجاعة ، كيف تسطو بعباراتها ، و تجرؤ بكلماتها ، و تذكرتُ وصفها سيارتي بالفقمة ، فإذا هي ذات التخمة . و في مسيرتي راجعاً ، و ذهني بالإرهاقِ راكعاً ، ذكرتُ بُعد الدار ، و هبَّ الريح و الغبار ، و عجائب السائقين ، و إهمالَ الراكبين ، في ذاك الطريق ، و عجائب التوفيق ، فحمدت الله ربي ، و أرحت قلبي ، أن أنقذني من هم الذهاب ، و بقي هم الإياب ، فألهمني ربي دعاء السفر ، ذا الفضل المعتبر . و سرح مني البال ، نحو الصحاري و الجبال ، حتى قطع مني الهاجس ، و أنسَ الخاطر الوانس ، تلك السيارة الكبيرة ، الشاحنة المثيرة ، حاملةُ المياه ، طاحنة الرجال و الشياه ، هي من الأمام ، و أختها من الخلف بإحكام ، و أنا بينهما كلحمةٍ بين خبزتين ، و طعمة لسمكتين ، فلا مفرَّ منهما ، و جدار الجسر ثالثهما ، فعرفتُ أن الساعة قامت ، و أن دنياي نامت ، فرفعت سبابتي متشهداً ، و حقد البنغالي كان متواجداً ، فأفسح الطريق ، خوف موتي بالتصديق ، حسداً من حسن خاتمتي ، و سعادة قيامتي ، فتنفست الصعداء ، كخارج من السماء . فوصلت البلاد سالماً ، و رجعت بالإقط غانما ، و نفسي تراودني لذوقه ، و أخشى أن يكون أكله سرقه ، وأبرم الطالب يمينه ، باستطعامي الإقط في حينه . ثُمَّ ذهبتُ به لأقصى الجنوب ، و قد جئت من أقصى الشمال المحبوب ، لأضعه في محلِّ صاحبه ، ليأخذه طالبه ، و لكنني رجعت بخفي حنين ، و لم أكن الأحق بالمين ! ، فرجعت نحو داري ، لأرتاح قبل احتضاري ، فإذا بالمنادي ينادي ، أريد الذهاب لميعادي ، و قد نادى المؤذن بالعصر ، فأيقنتُ بحلول القبر ، فصليتُ و أنهيت ، ما داهمني من شغل البيت ، فرجعت للجنوبِ ثانية ، بخطى غير متوانية ، فوضعته في مكانه ، مستدركاً سرعة زمانه ، و أقبلتُ إلى الفراشِ لأحتضنه ، و لوسائده بنومة مهتنئة ، فأغمضت العين بعد الغروب ، إلى بعد العشاء المحبوب . و أبلغني الموصي به ، أنه حظي بأربه ، فله كان الهناء ، و علي كان العناء ، فلو رأى حالي و الأعرابية ، لدعا بدعوة القسطنطينية ، أو نادى ( وامعتصماه ) ، أدركوا الضعيف وا ويلتاه . فكان يوماً حافلاً بالأحداث ، و لكقسمة ميراث ، كلُّ ذلك من أجلِ حبيبات إقط ، ذات حجم وسط ، فكانت أثراً باقياً ، و تاريخاً سامياً ، فلله أنت أيها الإقط اللذيذ ، كم لك بذلت الأضاحي و الحنيذ ، و سحرت الناسَ بلونك البياض ، و جلبتهم لروضة الرياض ، و أسعد الله كلَّ آكلٍ لك ، ما سبح الله امرؤٌ في فلك . كانت هذه المقامة الظريفة ، ذات المعاني اللطيفة ، من نوع الفكاهة المحمودة ، و الدعابة المقصودة ، صاغ الخيال أحداثها ، و قيد الكلام أوتادها ، لتكون لطيفةَ مؤنسة ، مذهبة لكل منحسة ، و الشكر لكل القارئين ، في سائر الأحايين . حبرها عبد الله بن سليمان العتيق 9/5/1428هـ الرياض Tamooh1426@hotmail.com
|
||
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
|
رائعةٌ ماتعة
حروفها يانعة " جعلتنا نُسارع للإقط .. في تدافع.. ونهجر الصوامع. ونُغفل الكوارع. " لله..ياكاتب دُرك. اتحفتنا بــــ نثرك. " حُييت من كاتب. لعصرهِ مواكب. " أبدعت بـ حق. حاولت المُجاراة وما استطعت. فقط حاولتْ.
|
![]() |
![]() |
![]() |
#3 | ||
|
عندما اقرأ اسم : عبدالله العتيق
|
||
![]() |
![]() |
![]() |
#4 | |||
|
اقتباس:
الراقية : قيد من ورد . روعةُ المكتوبِ من روعةِ القاريءِ ، و بدونهِ لا شيء . أعجبتني مجاراتك ، و هي تُوحي إليَّ بقدرةٍ هائلة .. الأبعاد سيكونون في الانتظارِ لمقامةٍ متألقةٍ منك .. تحيةٌ مسائية لك سرمدية .. عبد الله
|
|||
![]() |
![]() |
![]() |
#5 | ||
|
أستاذ عبد الله العُتيّق :
|
||
![]() |
![]() |
![]() |
#6 | |||
|
اقتباس:
الراقية : أصيلة المعمري . كلُّ الشرفِ أناله من مروركِ الرائق .. فلك التحايا دائمة المسيرِ بلا قطعٍ و لا منعٍ لا ردْعٍ حتى تصِلَ إليك ميمونةَ اللقاء ، مصونة البقاء ، مكنونةَ الهناء ، مضمونةَ النماءِ .. عبد الله
|
|||
![]() |
![]() |
![]() |
#7 | |||
|
اقتباس:
الراقية : منال عبد الرحمن . أبجدياتُ التحايا لك مبعوثة ، و في رياضك مبثوثة ، و خُطاها بالحُداءِ محثوثة .. أمرُ المقاماتِ يَسْهُلُ بالدُّرْبَةِ و إدمان المحاولة ، و تحتاجُ إلى معجمٍ لُغَويٍ ليُؤتى بالغريبِ اللفظي ، و يُتمَّم بالإسجاعِ ، و يُعضَد بالشعرِ ، و يَحوي فكرةً .. فلا يأسَ ، اطرقي و سيفتح ، و سنكون من المنتظرين .. عبد الله
|
|||
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة
|