- كل ما أحتاجه الآن ، حزنٌ أبيض ، صورةٌ تجمع أحبتي ، و جناحيّ حمامة .!
ربما علّتي أنني صاحبتُ الدفء عشرين شِتاء والترَف عشرين صيفاَ فجاءتْ هذه السنة لتنشرَ البرد وتسلب القرب. خذلانٌ في أيلول تلِيه فجيعة في نيسان كانتا كفيلتان ببعثرتي. لا أدّعي فرط الإحساس ولا قسوته. كأي فتاةِ أنا ، تهمّها تفاصيلها ويؤلمها تجاهلها. بلغت الاثنين وعشرين دون احتفال يُذكر ، هي المرّة الأولى التي انتظر فيها ذكرى ميلادي، لا أقول عيداَ لأن العيد تجمّع. خُيّل لي أن أبواب الفرح سُتفتح وأن الناي سيعزف وحده. وأن الحَمَام سيطرق نافذتي ليبارك صباحي. تمنّيت عطراً كـ هديّة و فراشة تأتيني مع وردة. وانتهى بيَ الأمر مع كوب قهوة وفلم في غرفة لانافذة لها. لاشيء يستحق الاحتفال.
الغريب في الأمر ، على الرغم من اتساع الكآبة هذه السنة إلا أن الأمل مازال يزاحمني ، أجده بين دمعي ومنديلي. هي أنا فتاة المتضادات، في ذاكرتي وعدٌ كاذب وفي قلبي جرحٌ يتراقص. أغفو على الأوّل ويوقظني الآخر. لم أعد يا عزيزتي كما عهدتني ، فتاةٌ مثلي لم تعهد فراقاً من قبل ولم تشهد عزاءً. تبكي عند إلغاء دعوة عشاء وتنتشي فرحاً لتجمّع عائلي. ترسم قلباً أحمر مكتملاً في منتصف الشهر لتبعثه مع عبارات حب بلهاء وأمنية حمقاء بأن يكون العشق كما تريد. لم تعد كما كانت. كما تؤمن بالقدر تؤمن بقسوة الحياة أيضاً. لا تليق بها بالصدفة ولا تفضل الافتراض. واقعيّة حدّ القسوة وحالمةٌ حدّ الجنون. تحركها رياح الأمل فتفرد يديها رغبةَ في الطيران ليسقطها الواقع بعد أن يبتر قدميها.! صدقني يا سنيني .. أرغب بالفرح. في زاوية الغرفة زرعت حديقة ولم أبالي بالتراب وفي سقفها بنيت عشّا. محاولتي في التخلّص من عاداتي السيئة قويّة ، ها أنا الآن أترك حرصي. حسناً .. لا أبالي بالفم المفتوح أثناء الأكل ، لا يؤلمني هروب عصافير حديقتنا عند خروجي صباحاً. ولا يهمّني تجاهل الخادمة لي عند تحيّتها. ولكن حتى الآن لم أتجاوز حزن الماضي. أصمت في محاولة لـ الانزواء قليلاً تحت ظل الصبر. أما هم فلا يرون إلا فتاةً تجيد فن الصمت. ولا أرى في الصمت أي فنّ يُذكر ، فالصمت إن لم يكن لوعةً فهو في ألطف حالاته محاولة لكتم الغيظ. سابقاَ قُذفت بالبرود ، فأنا الفتاة التي لا تصيبها أحاديث الغير ولا تكترث لما يقال فيها. لم يرق لي ذلك أبداً و أوّلت حديثهم إلى قصور في التعبير والإحساس لا أكثر. هكذا هم ضعاف القلوب ، يجيدون تأويل الحديث يميناً ليتجنبوا الوصول إلى نقطة يدركون عندها أن تسامحهم ضعف و أن قلوبهم ما عادت صالحةً في زمن الخيبات هذا. أحيانا أحتاج المشي مغمضة العينين ، فالإبصار متعب ، والإحساس متعب وكلّ ما يجعلني مستيقظة طوال الليل متعب. ما يمنعني من محاولة المشي هذه هو حديث الناس فقط ، لا خشية السقوط. حتى الآن لم أستطع ممارسة " الـ لامبالاة " بإحتراف.
أعلم يا سنيني أن مصاحبتي لم تعد كما كانت ، وأعلم أن محاولتي للاحتفال بكِ كانت فاشلة. وفقط !