منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ليلة الأربعاء(5)النّص بين زَحمة المُفردة وهُوّة التّأويل ..!
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-10-2017, 10:58 PM   #24
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي




وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته

تحيَّاتي لك، يا فراشة أبعاد، ولضيوفك الكرام

موضوع اللَّيلة متشعِّب، لكنَّه لا يخرج في تشعُّبه عن إطار الكاتب والمكتوب والمتلقِّي.

بضاعة الكاتب وسلعته هي الجمال، وما تستحسنه النَّفس في الطَّبيعة تستحسنه على الورق. وإذا كان للإجادة معايير ثابتة، فهل للجمال معايير ثابتة؟

لا ريب، للتَّعليم دور عظيم، ولا بدَّ من التَّعلُّم. والنَّقد مفيد جدًّا وفيه إضافة قيِّمة وله أهمِّيَّة كبرى، ولكنْ ليس النَّاقد وصيًّا على الإبداع ولا على المبدع وإنْ قيَّم وقوَّم وعلَّم... ومن لا يُجيد كتابة جملة مفيدة بلغة سليمة وبأسلوب متين وقويم فالأولى به أنْ يعمل على تجويد نفسه قبل الولوج في عالم الكتابة وأنْ يتحلَّى بالمرونة والمثابرة والصَّبر.

وأراني لستُ مع التَّنظير والتَّأطير فيما يتعلَّق بالإبداع الأدبيِّ إلَّا في حدود ضيِّقة للغاية، قد تكون مهمَّة للنَّاقد والباحث والدَّارس والمعنيِّ... ولا أفهمُ كثيرًا ممَّا يُقال في هذا الشَّأن، بمعنى أنَّني -عن نفسي- لا أهتمُّ كثيرًا بالقواعد ولا بالقوالب ولا أنشغل بها ولا أُقيِّد نفسي بقوانينها وحدودها... ولا أُخْضِعُها -نفسي- لرؤى غيري ولا لانطباعاته ولا لإحكامه، فما جاءت كلُّ هذه الأشياء إلَّا لاحقًا لسابق وما كانتْ إلَّا تابعًا لرائد ومبتدع، وما يهمُّني -في المقام الأوَّل- هو الخلاصة والنَّتيجة، أهتمُّ باللَّوحة الفنِّيَّة، أو بالمعزوفة الموسيقيَّة، أو بالقطعة الأدبيَّة، أو بالقصيدة الشِّعريَّة... في صورتها النِّهائيَّة، دون الولوج في متاهات النَّظريَّات والفرضيَّات والتَّقنيات والخلفيَّات... ودون إصدار أحكام قطعيَّة ومطلقة، آخذ الحسن وأُقبل عليه، وأدع الرَّديء وأُعرض عنه، فالأصل -من جهتي- هو الموهبة، والموهبة هبة من الله ومنحة، وإنْ اتَّخذها بعض أهلها مهنة، ثمَّ اللُّغة السَّليمة بوصفها السَّبيل والوسيلة، وأمَّا الصَّقل فيأتي لاحقًا وعلى مهل مع الملاحظة والمحاولة والتَّجربة والمداومة واشتغال المبدع على نفسه ورغبته في تطوير ملكاته وتقوية إمكاناته.

قد يكون المبدع عالمًا وعارفًا، ولكنْ ليس كلُّ عالم مبدعًا، والإبداع ممكن في جوانب عديدة ومجالات متنوِّعة، وقد يكون في كلِّ شيء وفي كلِّ حيٍّ وفي كلِّ أمر، ولا يقتصر على الفنون والآداب ولا على الفنَّانين والأدباء. وفيما يختصُّ بالإبداع الإنسانيِّ الأدبيِّ والفنِّيِّ فإنَّ الأصل فيه هو الإمتاع، ثمَّ الانتفاع، ثمَّ إنْ وجد الإقناع فهذا زيادة في الخير، لكنَّه الانتفاع والإقناع ليسا شرطًا في حدِّ ذاتهما وليسا غاية رئيسة أو مباشرة. ولو تكلَّمنا الفصيحة لاقتربتْ كتاباتنا كثيرًا من كلامنا، ولما احتجنا لمن يوجِّهنا كيف نكتب ولمن يعلِّمنا أبجديَّات اللُّغة السَّليمة.

إنَّني أبحث فيما أُطالع أدبيًّا وأقرأ عن الدَّهشة الإيجابيَّة والقفزة الباعثة إلى الأمام والأعلى، وعن جرعة مركَّزة من الحياة ومكثَّفة من الجمال. ولن يمنحني كلَّ هذا إلَّا من كان حيًّا في جوهره وجميلًا في لغته ورائعًا ومدهشًا، حتَّى وهو خارج دائرة الإبداع المباشر وبعيدًا عن بؤرة الضُّوء والانتباه والاهتمام، فالمبدع مبدع في كلِّ شيء، في لغته، وفي هندامه، وفي حركته، وفي سكونه، وفي جدّه، وفي هزله، وفي قوَّته، وفي ضعفه... ولا يمكن له إلَّا أن يكون جميلًا وجليلًا ورفيعًا ومترفِّعًا ومهيبًا ومتواضعًا... حتَّى وهو في أسوأ حالاته وأحيانه، وطبيعته هذه كفيلة بأنْ تجعله حريصًا على الإجادة والإتقان والرُّقي...

للدَّارس الحقُّ في أنْ يصنِّف ويفهرس ويوصِّف ويحصر، وللنَّاقد الحقُّ في أن يصدر الأحكام والتَّعليمات والتَّعميمات، ولكنَّه المبدع لا يعنيه من كلِّ هذا سوى ما يرفع من مستوى وعيه ويحسِّن من درجة أدائه ويهذِّب ذائقته ويشذِّبها. ففي المحصِّلة لهم شأن وله شأن آخر لا يؤطِّره سوى همُّه وهمَّته وما يرفد به عبر الاكتساب موهبته الأصيلة.

أشكركم جزيل الشُّكر
وبالخير العميم أدعو لكم
والله يحفظكم جميعًا
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة






 

محمد سلمان البلوي غير متصل