اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد سلمان البلوي
وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته
تذكِّرني هذه الأمسيات الشَّائقة بالصَّالونات الأدبيَّة والثقافيَّة العريقة، فالشُّكر الجزيل لمضيفتنا الكريمة صاحبة الفكرة ومديرتها الشَّاعرة الأديبة الأستاذة رشا عرَّابي، والله أسأل أنْ يجزيها عنَّا خير الجزاء وأنْ يمتِّعها بالصِّحَّة والعافية. والشُّكر موصول لإدارة "أبعاد أدبيَّة"، وللضِّيوف الكرام من الأعضاء والزُّوَّار.
موضوع اللَّيلة شائك وشائق، وعلينا أنْ لا نغفل -ونحن نتناوله- عن الجانب الاجتماعي بما فيه من قيم وأخلاق، ذلك أنَّ الأدب لا ينمو ولا يتطوَّر بمعزل عن النَّاس وأعرافهم وعاداتهم وأخلاقهم، وإنِ استوفى الجوانب اللُّغويَّة والفَّنيَّة والجماليَّة... و ليس من الأدب في شيءٍ ما تنفر منه الفطرة السَّليمة السَّويَّة وتفرُّ منه الذَّائقة الرَّفيعة المعافاة من الشُّذوذ والانحراف والتَّكلُّف والانحطاط... ولو اتبعه الغاوون وافتتنوا به وهلَّلوا له، والكثرة لا تدلُّ -بالضَّرورة- على الحقِّ، والله سبحانه وتعالى يقول: "مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ".
ليس من قبيل المنع أو القمع، ولا من قبيل الوصاية والحجر، ولكن إذا كان التَّناول للجنس غايته العلم والتَّعليم، فإنَّ الله لا يستحي أنْ يُقال حقًّا، وإذا كان التَّناول يسعى إلى إثارة الغرائز والرَّغبات والعزف على أوتار الشَّهوات بلغة إباحيَّة فاضحة وخادشة وفاحشة وصريحة، كما في "الأدب الإيروتيكي أو الآيروسي" على سبيل المثال، مع تحفُّظي على وصفه وتصنيفه بالأدب، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: "لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ... "، ويقول: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا...". ثمَّ إذا كان للأدب رسالة فلا أظنُّها إثارة الغرائز وإشاعة الانحلال والتَّشجيع عليه بدعوى الحرِّيَّة، حرِّيَّة الإبداع، وحرِّيَّة الاطِّلاع، وحرِّيَّة التَّجريب، وحرِّيَّة التَّعبير، وحرِّيَّة النَّشر... وإذا لم يضطلع الأدب بدور البناء والارتقاء والصَّقل والتَّهذيب فليس عليه أنْ يكون -بحالٍ من الأحوال- معولًا للهدم والانحطاط والتَّدمير والتَّخريب.
الرَّغبة أصيلة فينا، واالشَّهوة كذلك، ولكلٍّ منَّا حاجات وضرورات إنسانيَّة لا بدَّ من تحقيقها وتلبيتها، لكنَّ الفرق بين إنسان وآخر -في جانب من جوانبه- هو في درجة تحكُّمه برغباته وسيطرته عليها، وفي قدرته على تهذيبها وتأديبها وتوجيهها الوجهة الصَّحيحة والمباحة، أمَّا الانفلات والانحلال فمآله الانحدار والانحطاط إلى درك البهيميَّة وإلى ما دون منزلة الأنعام، "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ...". والأدب -بوصفه لسان حال وترجمان ووسيلة تعبير وتبليغ وتدوين وتوثيق- أجلُّ وأرفع وأسمى، والمتعة أوسع من مفهوم الشَّهوة وأرحب وأشسع، والنَّزوات عمرها قصير، لا تعمِّر ولا تؤثِّر ولا تدوم، والتَّورية في هذه المسائل أبلغ من الكشف والفضح والإظهار، والتَّلميح أسلم من التَّصريح، والتَّلطُّف والتَّعفُّف والتَّهذيب أجمل وأجلُّ من الفحش والفجاجة والمجون والفجور، لكنْ لكلِّ فنٍّ أتباع ومريدون، وكلٌّ يبحث عمَّا يعوزه وينقصه أو يبرع فيه ويبزغ ويبدع، والنَّاس مذاهب ومشارب... ولكلٍّ منهم أعذار وذرائع، ولا بأس ولا يأس مع قول المولى عزَّ وجلَّ" "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ". وإنِّي أتساءل: ما هو الإبداع العظيم والإمتاع في نقل ووصف وتصوير فعل يقوم به حتَّى الحيوان؟ مع الفارق بالتَّأكيد. 
شكرًا أستاذتنا العزيزة الرَّشا
وشكرًا للجميع على مداخلاتهم القيِّمة النَّافعة الماتعة
والله يحفظكم
|
السلام عليك أيّها المعطاء أدباً وخُلُقاً
ليس ثمّة ما يحفظ للأدب سموّه وللإلهام المسكوب قيمته
إلا التزام التأدب حتى في مخاطبة المحبوب
وذاك ديدن ما تعلّمناه من بطون كتبٍ حملت أسماء أدباء
لا زلنا حتى اللحظة نعتزّ بأدبهم ونفخر
نفس القارئ تتعفّف عن كل ما تجاوز حدّ التّأدب خطاباً ووصفاً
وأكرر هي ليست مثالية بقدر ما هي فطرة سليمة قويمة
جبلنا عليها تحت راية العرف والدين
بصمة العطاء المائزة
أستاذي محمد البلوي
منارةٌ للعلم النافع أنت
لا حرمناها