إلى متى والحنين يطاردني ؟
إلى متى والذكريات تستوطن الفؤاد ؟
إلى متى والنفس تائهة في غياهب الفراق ؟
متى سيأتي اليوم الذي لا ريح فيه تهز قلبي ولا غيمة تسقط الخيبات على جسدي المكلوم ؟
متى سيقول الصدر " لا متسع لمزيد من الكدر والضيق " ؟
متى ستضمحلّ الكآبة والأحزان من حياتي ويتلاشى الشحوب من وجهي بلا عودة ؟
أتوق لتذوق طعم الحياة بعد سُلْوان مرارة النوى ودفن جذوة الشوق .
لا غرو, سيكون المذاق أطيب من الشهد بعد أن كان العلقم طعامي الوحيد .
سيكون الربيع كل فصولي وسأرى الألوان على حقيقتها كأعمى للتو يبصر .
سأرى الشمس وهي تبزغ حاملتاً عينيّ معها للغروب بعد أن كنت أشبه بالخُلد لا أتلذذ بشعاعها البهي .
سأجلس فوق رابية متسربلة بالخضرة وبجانبها نهر عذب يجري بعد أن كنت أجلس فوق صخرة على أرض مقفرة تسكن تحتها الثعابين والعقارب .
سأطرب مسامعي بخرير السواقي وتغريد الطيور بعد أن كنت أضع أناملي على أذنآي كي لا أسمع صفير الرياح وعواء الذئاب .
في الصباح سأجري على الشاطئ حافي القدمين ، وسأعزف الناي لترقص الحيتان والأسماك ، وفي الهجيرة سأغفو تحت ظلال الأدواح ، وبعد مغيب الشمس سأشنف ناظري بتلألُؤ النجوم وأسامر القمر بأجمل حديث، وبعدها أنام كطفل أنهكه اللعب بعد أن كنت لا أذوق طعم الكرى والعينان محمرتان من فظاظة السهاد .