نعمْ تاقت لصوتكِ أمسياتي
وضجَّت في غيابكِ ذكرياتي
تهيِّضها خيالاتٌ تهادى
لماضٍ شعَّ في كلِّ الجهاتِ
فتطرقُ في سكونٍ ثم تغفو
على صدرِ الليالي الموحشاتِ
وأحلامٍ سُقينَ بماءِ قلبي
شرقنَ فبتنَ في عُمُدِ الوفاةِ
ألوذُ إذا ذُكرنَ بحصنِ صمتٍ
وكم لي من دموعٍ ناطقاتِ
أراني كلما جُنَّ اشتياقي
أفرُّ من الشجونِ إلى دواتي
فتسكبني اليَرَاعَةُ حبرَ وجدٍ
وتبكيني بمختلفِ اللغاتِ
أيا وردًا تناثرَ في فؤادي
فزاحمَ نبتُهُ مجرى حياتي
تعالي نهجرِ الدنيا ونحيا
بعيدًا عن زمانِ الأحجياتِ
زمانٍ قد أضيفَ الصدقُ فيهِ
على السبعِ العظامِ الموبقاتِ
وعُدَّ الجبنُ فيهِ منَ المعالي
وإمعانُ الفرارِ منَ الأناةِ
ملايينٌ تئنُّ لهم جراحٌ
وتُنكَأُ كلَّ حينٍ في قناةِ
ونحنُ نصوغُ حبرًا من دماهم
لنكتبَ للهزائمِ أغنياتِ
نسمي نفسَنا جهلا شعوبًا
فنقطعُ ما تقادمَ من صلاتِ
ونروي أرضَنا _الريَّا_ دماءً
وننسى نحنُ ريَّ السنبلاتِ
فيا أسفًا علينا ما خطونا
سوى للخلفِ يومًا في ثباتِ
وما قمنا منَ الأجداثِ إلا
لنطلبَ تركَنا بينَ الرفاتِ
ورغمَ عزوفِنا عن كلِّ مجدٍ
ورغمَ شتاتِنا كلَّ الشتاتِ
ورغمَ صدودِنا عن كلِّ خيرٍ
ورغمَ جحودِنا كلَّ الهباتِ
سيبقى النيلُ يجري في شموخٍ
على أنغامِ دجلةَ والفراتِ
ويبقى مسلكُ العاصي عصيًّا
على كلِّ الجبابرِ والطغاةِ
وتنمو بينَ أيديهِم جنانٌ
تُحَدُّ رياضُها بالنرجساتِ
ليهدوهنَّ من أُشقوا وماتوا
لننعمَ بالكرامةِ والحياةِ