في ذاكرة العمر وفي السنة الخامسة ابتدائي من رحلتي الدراسة كنا نتعلم الإملاء بمستوى عال عن السنوات الأولى، وكانت من ضمن المواد المحببة إلى قلبي لأنّ من كان يُعلمنا إياها يتقن فن الترغيب لا سلطة الترهيب.
كان التنافس على أشدّه بقطف ثمرة الدرجة الأعلى عن بقية زملاء الفصل، كان من يعلمنا يبتعد عن تبيان مواضع الأحرف إعرابياً حتى نتمكن من رسمها كما يجب، وقد سخر الوقت والجهد بأن نفهم ذلك بفراسة ملهمة الرؤية دقيقة النتيجة، وهذا بحد ذاته يعتبر فلسفة لا يتقنها إلا من أشرئب فكره بضرورة ابتكار الأساليب والطرق الجديدة كليا عن المتبع والتقليدي لإيصال الفكرة وغرسها كبذرة تنمو بداخل الآخر لا أن يوشمها وشما كعلامة بارزة لا فائدة تُرجى منها.
كلنا يعلم بأن الخطأ هو ما بعد عن الصواب وأن الإملاء هو ما يملى من كلام ليكتب مباشرة، فلو افترضنا بأن الإملاء هو ما يملى من أمرٍ ليتم تنفيذه مباشرة لعلمنا بأن الخطأ الإملائي ملازم لنا بكل أحوالنا، فنحن يُملى علينا ونَملي على غيرنا، فإن أصبنا كان بها وإن أخطأنا درجت أسماءنا ضمن من أخطأ إملائياً، والسبب لتلك الأخطاء هو عدم استيعاب ما يُملى علينا أو أنّه عدم مقدرتنا على تنفيذه كما ينبغي.
العجيب في الأمر بأننا نُخطئ علمنا ذلك أو لم نعلمه، وهذا مردّه عدم مراجعة أوراقنا الماضية وما قد دوّن فيها أو أننا راجعناها على عجالة دون التركيز على صحّة ما كتبناه أو فعلناه بالأحرى. وقد يكون السبب في ذلك هو الجهل بصحّة العبارة المكتوبة من عدمها، كأعمى يتمنى أن يسير بأي طريق دون أن يبذل المجهود بمعرفة خلوّه من الحفريات وإلى أي مكان سيوصلنا إليه.