رجعت لنا المضيفة بصحبة اثنين من المضيفين وأشتد الكلام بينهم فحاول صاحبنا لطم أحدهما . فصده الرجل . وكاد أن يضربه لولا أني قفزت ومنعته وكذلك منعه صاحبه من ضربه . وقلت الأجدر بك ان تقدر حالة هذا الكائن فأنتم من سهل له أن يصل إلى هذه الحالة . قال لي أقنع صاحبك أو صده عن مايفعل داخل الطائرة وليس هو أول من يشرب فالنصف من الركاب شربوا ولم يفعلوا مثله.
:بعد الوصول لنا معه حساب . قلت لا يعنينني حسابكم معه ثم أنه ليس بصاحبي بل عميلكم وأنتم من نقله ومسؤولون عنه .
لخشيتي على الرحلة وليس خوفاً على الكهل المراهق . أقنعته أن يربط الحزام لأننا قد اقترب لنا الوصول ويجب علينا الجلوس في مقاعدنا . امتثل للأمر ولا اعلم كيف أمتثل وهو بهذه الحالة المزرية حقا .
بعد ساعة والطائرة تسلك الهبوط تدريجيا الضغط يهبط من رؤوسنا مما حدى بالكثرين وأنا أحدهم بوضع أصابعنا في أذاننا .
ما أن هبطت الطائرة حتى طلب القائد من كافة الركاب عدم مغادرة المقاعد .
ساد الوجوم في داخل الطائرة للطلب الغريب ولم يسبق لي على كثرة أسفاري أن سمعت بمثل ذلك . ولم يقطع ذلك الوجوم إلا صوت أستفراغ صاحبي مافي معدته وشتائمه المتكررة التي حتى أنا لم أسلم منها .
ماهي إلا دقائق خمس حتى فتحت بوابة الطائرة ودخل منها خمسة رجال من الشرطة . دلّهم أحد المضيفين إلى مقاعدنا .
تقدموا منا وأخذوا أوراقنا الثبوتية ثم اقتادونا إلى بوابة الطائرة وأنا أحاول أفهامهم أني ليس لي ناقة ولا جمل ولا حتى دجاجة في صحبة هذا الكائن . ولكنهم طلبوا مني الصمت بحزم .
جلتُ ببصري في المقاعد ووقعت عيني على المرأة النيوزيلندية فأنبتها بصمت .
خشيت أن يراني الشاب التركي فيتحاقرني .
لم ينزلونا مع الخرطوم الذي يعتاد الركاب النزول معه بل أنزلونا مع سلّم في مؤخرة الطائرة إلى غرفة كبيرة وأغلقوا الباب من خلفنا والمصنّف صاحبي الكهل المراهق مازال على حالته يثرثر ويشتم ويستفرغ .
ذهبوا به على ما اظن إلى دورة المياة لأنه قد بلل ملابسه رأيت ذلك بعد ما سار أمامي . وأتمنى أن لا يرجعونه إليّ.
جلست على كرسي عن يمين الباب . أتى رجل من الداخل وأشار علي بالقيام .
أمتثلت الأمر . أفتتح كلامه بشتيمة . قلت على مهلك يا رجل لِمَ تشتمني . فصاح بي أصمت يا (...) قلت لن أصمت ماذا فعلت كي يخولك شتمي؟ فهددني بالحبس .
وتحوّل فمه إلى منجنيق من الشتائم . ظللت صامتا . قال لِمَ لا ترد قلت أرد على ماذا؟
على الشتائم ؟ أنني أترفع عن هذا الخُلق ثما أني لا أعلم لِمَ أنا هنا ؟!.
قال هازئا :
ألا تعرف لِمَ أنت هنا ؟ وهل تعرفوا من أنتم أصلا ؟ أنتم لا تعرفوا إلا الجمال والصحراء.
:قلت الصحراء لم تعلمنا الشتائم ولا الخلق الرخيص ولا سوء الأدب .
قال مرة أخرى :
تشتمني يا أبن (...) قالها بصوت ضج المكان .
قلت : لم أشتمك وحتى لو أردت ان أشتمك لن إصل إلى عُشر ماشتمت نفسك به . إن من يشتم الناس لا يشتم إلا نفسه .
سحب الكرسي ودخل إلى بوابة خلفه وتركني قائما .
حاولت أن أفتح هاتفي ولكنه لا يلتقط أية أرسال . أحسست بالكآبة بالفعل أخذت بجريرة غيري ورأيت وسمعت من سوء الخلق مالم أسمع به من قبل . بعد ربع ساعة فتح الباب الداخلي ودخل منه ثلاثة رجال يحملون أوراقي الثبوتية . تلى أحدهم اسمي الرباعي المكتوب في جواز سفري، ضحك وقال: حتى الأسماء لديكم فيها فائضها. ضحك الآخران .قال أحدهما متهكما :
أنه البترول يحصلون به على كل شيء حتى أسمائهم . فتعالى ضحكهم .
قلت : إنما أنا ضيف لديكم وليست هذه من شيم العرب مع ضيوفهم .
فصرخ أحدهم ضاحكا قائلا: ضيف!!!
إنما أنت ضيف البترول، أرني مامعك من نقود . قال آخر نقوده معطرة بريحة البترول. وضحك الثلاثة بصوت عال .
ثما أعادوا عليّ مارواه صاحبهم السابق من رواية البدو الرحل الذين وجدوا البترول وتحولوا إلى أصحاب ثروة بين عشية وضحاها وهم لا يضاهون "فرسن شاة" .
قلت : أنا لا يعنيني شيء من هذا القول أنا قادم لهذه البلاد مجر زائرا لأنها دولة عربية وليس لي هم في الجدليات وو جهات النظر المتباينة ولا ضغائن النفوس .
صمت الجميع ثم أردف أحدهم أنت وصاحبك أثرتما بلبلة في الطائرة وكنتما خطرأ على الطائرة والركاب وأعتديتم على الطاقم وهذا مثبت لدينا في التقرير الذي استلمناه من الطاقم .
قلت : لدي مايثبت عكس هذا التقرير وكافة الركاب يشهدون على ذلك .
:قال كيف ؟
قلت : أولا الرجل ليس بصاحبي وليس لي به علاقة لا من بعيد ولا من قريب ولم أفعل ما يخالف القوانين المتبعة في وسائل السفر.
ثانيا : الرجل من دولة وأنا من دولة أخرى . وفي حالة ما بحثتم في أوراقنا الثبوتية ستعلمون بأني لم أقل إلا الحقيقة .
وكل مافي الأمر أنه أستبدل مقعده بالمقعد الذي بجواري الذي كان صاحبه امرأة من "انيوزيلندا" وأوراق صعود الطائرة تثبت ذلك وليس لي يد في ما حصل في الطائرة .
تناول الرجل جهاز نداء في حزامه وتحدث مع طرف آخر بلغة : "فرنكفونية" .
سحب أوراقي من على الطاولة التي أمامه وخرج فيما بقي الأثنان يتهامزان ويتلامزان
: بكلام تفوح منه رائحة الحقد ؛ حول الصحراء والبدو الرحل والبترول .
حتى أنا ملأوني حقدا مثلم .
طلبت ماء . قال أحدهما أشرب من البترول فضحك الثاني .
ساويت حقيبتي على الأرض وافترشتها بعد ما فقدت الأحساس في مفاصلي من طول الوقوف .
قال أحدهم : لصاحبه بكلام لم أفهم منه إلا أنه شبهني بأحد الدواب . فضحك الثاني مِلئ شدقيه .
دخل الرجل الذي خرج قبل قليل وقال تعال معي .
تبعته على غير هدى . فيما قادني إلى مصعد صعد بنا وعندما فتح وجدت أننا في القسم الأعلى من المطار .
وسار بنا إلى باب صغير عندما فتحه فإذا بمكتب صغير يجلس خلفه رجل يحمل رتبة عسكرية . سلّمت فلم يرد السلام وضع الرجل الذي معي أوراقي أمامه على المكتب . تناول الأوراق وقرأ اسمي وطابقه مع مافي ورقة الطائرة . حدجني بنظره ثم ناولني أوراقي . وأشار إلى الرجل أن يخلي سبيلي. شكرته فلم يرد على شكري .
خرجت مع الرجل الذي أتى بي وأشار إلى منفذ الجوزات الذي كانت علامته بائنة ولم يعتذر عن أي شيء . لا يهم ذلك عندي بقدر ما يهم الخروج من بؤرة الحقد التي ملأوني بها .
وصلت إلى موظف الجوازات الذي ماطل معي ولم أهتد له على قصد حتى قال لي صراحة لِمَ ماتكرمنا ؟ اندهشت في البداية ثم قلت إنني لا أمتلك إلا شيكات سياحية وبطاقة صرف . عبس في وجهي وأنجز معاملة دخولي .
خرجت إلى ساحة الحقائب وجدت حقيبتي مرمية في آخر "السيب" لكثر ما مرت به ولم يلتقطها أحد .
التزمت دوري في طابور التفتيش حتى وصلت إلى المفتش . كان يرمقني بنظرات غريبة ويتمتم ببعض الكلام الذي لم أفهمه .نحاني جانبا وفتش الحقيبة وحتى التي في يدي قام بتفتيشها هي الأخرى وقال لي انتظر .
ذهب يفتش الأخرين ويمررهم بكل يسر . لاحظت تودده لأصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرق أكثر من غيرهم.
وبعد ربع ساعة رجع إلي وأعاد التفتيش في حقيبتي ! قلت يا أخي لِمَ كل هذا التعطيل!
فقال بنبرة جافة : أنت من يريد التعطيل. أكرم أتعابنا نكرمك .
تحاقرته ودسيت يدي في جيب قميصي
وناولته دولارات لا أعلم عددها حتى الساعة .
تـمّـت
م .س.