الوطن الصغير
مدخل:
ولأنني مغتربة عن وطني الصغير، سأدون ماقاله الشعر ليبقى كشوق خالدٍ .
(رأس)
[ أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي
ونكبر في الطفولة على صدر أمي
وأعشق عمري لأني إذا مت
أخجل من دمع أمي. ]
ذلك النص للشاعر الذي عُرف بالشاعر الخجول من دمع أمه ، وفي الحقيقة نصهُ قادني إلى الكتابة ..
الشاعر محمود درويش شاعر مدهش ومرهف في الكتابة ،
فمن يعشق عمره خشية أن يموت قبل أمه فتبكيه، من الجدير بنا أن نتحدث عنه أولاً حين نقول أن الحديث عن الأم .
ما يؤلمني حقاً حين يذكر اسمه أنني قرأت أنه توفي و والدته على فراش الموت !
ورغم ذلك فقد حُملت على كرسيها لتحضر جنازة ولدها الذي يخجل من دمعها، لتعود إلى فراشها وتموت بعده بثمانية أشهر !
محمود دوريش صور لنا أسمى خجل ليبقى خالداً في الشعر العربي.
و وشمت لنا أبياته حقيقة البر بـ الأم .
فلله درك يا محمود .
( ١ )
حين بحثت عن الأم في الشعر العربي القديم وجدت الأبيات فيها قليلة مقارنة بمكانتها النبيلة و السامية،
ولكن حين قرأت الأبيات القليلة و لمست مكانة من كتبوها قلت في سرّي: [ كتبوا القليل ولكنهم أغنوا عن كثيرهم ] !
وأكثر ما لامس وجدي هي أبياتٌ للشريف الرضي ، حيث يقول:
أبكيك لو نقع الغليل بكائي .. وأقول لو ذهب المقال بدائي
طوراً تكاثرني الدموع وتارة .. آوي إلى أكرومتي وحيائي
فارقت فيك تماسكي وتجلدي .. ونسيت فيك تعززي وإبائي
قد كنت آمل أن أكون لك الفدا .. مما ألمّ فكنت أنت فدائي
جميلة أبياته حد الألم ، فمن كان يطلب أن يكون فدائها أصبحت هي فداءه، ومن بكاها حتى آوى إلى نفسه حياءً من غزارة دموعه أفصح بصراحة مطلقة أنه افتقد تماسكه برحيلها !!
كان الشاعر عظيما بسكب رثاءه لـ أمه .
( 2 )
في العصر الحديث ازدادت مكانة الأم كثيراً، و كتبها الشعراء حبا وحناناً و لحناً يحمل الكثير من الألق
حتى أصبحت في الأدب المهجري أبياتاً وأشعار تغمر الدواوين ، حيث وجدت أن أحد الشعراء ثمل الكتابة عن أمه حتى ولدت هذه الأبيات من قريحته :
أما لقيت رأسك فوق صدر حنون خافق بمحبة الأم
فدعني من نعيم الخلد إني نعيمي بين ذاك الصدر والفم
حقيقة جمال أبياته يصيبني بثمالة قرآئتها !
ولعلي أقف لدى الأدب المهجري لأنقل لكم أبيات الشاعر "جورج صيدح" حين كتب عن أمه ليلة العيد حيث قال:
يا عيد عدت وأدمعي منهلة والقلب بين صوارم ورماح
والصدر فارقه الرجاء وقد غدا وكأنه بيت بلا مصباح
أمّاه ... ليت مع النسيم رسالة تأتي ... فترجعني إلى أفراحي
أيّ عيد عاشه دون أدنى فرحه، لم يكتب عنها شعراً فقط
بل إني وجدته يخبرنا أن الفرحة هي بينما أجد العيد حضور الأم !
( 3 )
أماه إني قد أتيت
وفي يدي طفولتي ،
وتركت خلفي كل أحلام الشباب
وبحثت عن يدك النحيلة
كي تعاني أوبتي
ورأيتها ممدودة عبر السحاب،
وكأنها طوق النجاة لحيرتي
وقفزت ألثمها أعانقها . ]
جميل جداً هذا الشاعر السعودي السفير عبدالعزيز خوجه، فقد صور لنا الطفولة ومزجها بعاطفة الأم الدافئة، وباعتقادي لو أن النص خلا من الأم لغاب عنه الحنين الذي أكسب القصيدة حسّاً آخر.
ونداء الأم في القصيدة دوماً يعني الحاجة العظمى لها ، لذا فكل من يريد أن يعبر عن حاجته لـ من يقصده بين أبياته فإننا في الغالب نجده يصور حاجته كمشهد بين طفلٍ وأمه !!
وبهذه الطريقة يوصل الشاعر حجم حاجته لـ من يناديه .
و نص الشاعر السفير ترك في قلبي أعظم تصوير .
(تذييل)
يقول ابن الرومي /
وما الأمُ إلاّ أمة في حياتها ** وأمٌ إذا فادت وما الأم بالأممِ
هي الأمُ يا للنّاسِ جرعت ثكلها ** ومَن يَبْكِ أمّاً لم تذم قطُ لايذمِ.
مخرج :
ولأن الشتاء قريب ، فإني أردد في سريّ أبياتاً للشاعر "إلياس فرحات" يقول:
يا ثلج قد ذكرتني أمي أيام تقضي الليل في همي
مشغوفة تحار في ضمي تحنو عليّ ... مخافة البرد !
حفصة السبع .
* كان لي شرف صدور النص في جريدة الأنباء الكويتية، بتاريخ: 12/نوفمبر/2009م .