منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ظِلالُ الفِكر
الموضوع: ظِلالُ الفِكر
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-22-2010, 03:43 PM   #4
عبد الله العُتَيِّق
( كاتب )

الصورة الرمزية عبد الله العُتَيِّق

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 17

عبد الله العُتَيِّق غير متواجد حاليا

افتراضي


الظلال الـ [3]

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شاميرام
ما من حقيقةٍ ستطفو على سطح الماء ،
و ستبقى كل الإجتهادات كتلك الرسومات التي رسمناها على البحيرة ، ذات ريح و مطر
شاميرام ..
الحقائقُ جواهر، و الأعماقُ محالُّها، و لا تطفو و لن تطفو إلى سطحٍ قريبٍ إلى كلِّ أحد، فمن رامها ذهب إليها، فهي لا تأتي إلى أحد من الناس، إلا إذا تمكَّنَه الصدق، فستأتيه لأنه أقبل عليها بقلبه. حقائق الوجود كثيرة، و الأكثر منها لا زال غائباً، و من عرف الحقائق حجبها عمن لا يستحقها، كما ألفوا " المضنون به على غير أهله" بل " المضنون به على أهله" فما كل حقيقةٍ عُرضة لأن تكون مُشاعةً بين الأوساط. فالجواهرُ لا تكون إلا لأهلها. تلك الحقائقُ في أعماق الوجود، و من وراءِ الأسطر، و من خلف الفراغات، لن تبدُ لأحدٍ، و إن أتعبَ نفسَه من أجلها، حتى تعلمَ أنه يستحق أن يحملَ صورتها، و الصور لا تبقى، فالفرسُ تعرف خيَّالها، و كذلك الحقيقة أعرف.
حينما نقف على الحقائق سنقف عليها بما بلغناه من إدراكٍ معرفي، هذا الإدراك سيجعل الحقيقةَ صورةً في مخيَّلتنا، ندعمها بفكرنا و عقلنا ببراهين أُخَر، و تتكرر هذه الصورة بحسْبِ المُدركين للحقيقة، فهي لم تنتقل عن محلِّها و إنما المنتقلُ هو ما أدركناه منها. لهذا فالحقائق معطاءة متجددة باذلة، لا ينتهي كرمها، و لا يقف عطاؤها، لأنها ملكُ الخالقِ في الكونِ و الإنسان، و قديما قال مالك : " ما كان لله بقيَ ". و لكنَّ ما ليس لغيرِ الله فهو تابعٌ له، و ما غيرُ الخالقِ فانٍ فكان تمام قول مالك " وما كان لغير الله فنيَ ".
الحقائقُ تكون في العُمقِ لأنها لا تحبُّ الضجيج، و لا تهنأ في الصَّخَبِ، بل تأنسُ بالهدوءِ، و أهلها كذلك، فـ " الأماكن الأكثرُ عُمقاً أكثر هدوءاً " . فكلُّ مُدركٍ للحقائقِ فيه منها، فهي تصبغه بسلوكها، ليكون من ملوكها. فالمعارفُ تعريفٌ و تسليك.
ادَّعى الكثير بأنهم أدركوا الحقائق، و أنهم عرفوا الأسرار، و لكنّهم لم يُدركوا أن دعواهم تحت مجهرِ الكون، و أن الحقائقَ تأتي بالامتحانات التي تكشفُ صِدق الدعوى من كذبها، و حين الامتحان تبين المكارم من أضدادها، فمن ادَّعى معرفةً لم يقُم بها على سُنةِ المعارفِ أخْزَتْه و فضحته، و كثيرون اليومَ ضحايا ذلك، فمن ظنَّ أنه يُدرك الأسرارَ بدون السِرارِ فهو مغترٌ مفترٌّ عن سُنة الحياة، فلا يُدرك العميق إلا بإعماقٍ، و الغوصُ في تنقيبٍ عن الحقائقِ مُؤْتٍ الغائصَ شيئاً، بعضاً و ليسَ كُلاً. فمهما بلغ الإنسان من قوةٍ، ومهما اعتلى على ربوة معرفةٍ لن يحصُلَ إلا على نزرٍ يسيرٍ، و ما خفيَ عنه لا يحتويه محيطٌ عُبابٌ. و لا يُدركه عقلٌ إنساني، و بتكاتفِ العقولِ يتكوَّنُ شيءٌ مما يقيمُ أَوَدَ الحياةِ. و القليلُ كفيلٌ بتحقيق الكثير، فكيف لو كان الكثيرُ مُدركا؟!. لأجل هذا كانت الحقائقُ سراً، و إن ظهرتْ كانت في بُعْدٍ، لا تكون إلآ لمن أرادها و سعى جُهده إليها، و لا تُنال بالأماني، فما من شيءٍ نفيسٍ إلا مُنالٌ على جسور الكسور، و صَبِرِ الصَبْرِ.
كل شيءٍ حقيقة، و لكلِّ حقيقةٍ قاعٌ عميقٌ، و لكلِّ عُمقٍ غوَّاصٌ، فمن تأهلَ استأهلَ، و من بلغَ نبغ، و أما الآخرون فليسوا بشيءٍ في مهيعِ الحقيقةِ.
الكلامُ كثيرٌ، و الكِنانةُ فارغة، و البضاعة مُزجاة، و حسبي أنني أحيط العُنقَ بقلادة و المِعصم بِسِوار.
شكرا شاميرام..

 

التوقيع

twitter: ALOTAIG

عبد الله العُتَيِّق غير متصل   رد مع اقتباس