المرحلة البنائية الثانية
(في قلب العاصفة)
بتصاعدية غنائية ودلالية يعزف الكاتب إيقاع العاصفة بإحالات وتقمصات لغوية تأخذ أسلوب التساؤل
(أنقاد إلى العاصفة لأسأل..)
ونكون أمامنموذجين من التساؤل
• تساؤل تقريري
• تساؤل وجودي
فالشاعر يأخذ موقفين من كل مايحيط به..
الموقف الأول تقريري :
هو يعتبر أن كل ماحوله سؤال يحتاج إلى إجابة فتكون إجابة الشاعر عليه بسؤال ولكن هذا السؤال /الإجابة يأخذ نمط الإثبات والتقرير مثلاً
إذا كان السؤال :هل تحب الأم ولدها..يكون الجواب بسؤال يقرر الفكرة فنجيب (( كيف لاتحب الأم ولدها )) =تساؤل تقريري /إجابة
في النحو يقولون عنه سؤال استنكاريوالاستنكار هو أحد أنواع الإجابة ..
الموقف الثاني وجودي :
هو يعتبر أن كلماحوله إجابات متشابهة ( تفسر بدهيات الكون )
متفق عليها من الجميع فيبادر بإجابات تخصه يشكك فيها بالجماع الفطروي والبدهي مثلاً نقول (( هل الموت نهاية الحياة )) الإجابة
(( لماذا الموت نهايةالحياة )) موقف وجودي رافض للعبارة الأولى ..
وهكذا يحشد /ياسر الأحمد / جيوشاًمن الأسئلة / الإجابات التي تتراوح بين التقريرية والوجودية نتابعها معه
فيالمرحلة البنائية من النص :
كيف يكون الشعرُ قناعاً/ وبماذا أنخر صنم الأشياء / وماذا لو صارالذهنُ فَراشاً / أو بكت النافذةُكخشفٍ..؟..
ماذا يختلج به القشُّ /وهل من كسرة مرآةٍ تنهزمُ الأحزان/ ..
فلماذا يستخذي البرقُ وينبتر الطوفان/ هل قتلٌ أن أشطح في ميدانٍ /…أوأحرفَ وجهَ الميدان؟
لا أعرف /كيف أصاهر لفحَ التيارِ /فلماذا تتنمر ألفاظي /أو أرقد فوق غباري..
ولماذا /وأنا لا أكتم وجهي ذروته.. / هل للجسد معانٍخارج مبناه..؟ / هل أصنع من عشقي أوديةً...
/ وهل للنزف طريقٌ غيرالجرح؟..
السيدات والسادة:
المتعة ..المتعة هو أن الشاعر يقدم هذه
الإجابات على نمط تساؤلات ولكنها إجابات عن أية أسئلة...؟
أقول : هذه الأسئلةمتوارية في الأنساق الشعرية التي قمت بتحديدها هي قضايا تخصنا وتشاركنا حياتناجميعاً
..الشاعر يحول النسق الشعري الواحد إلى منجم لغوي يكتظ و يزخر باستنباطات ودلالات وروابط بنائية بين المفردات ومن خلال أدواتناالمعرفية نكشف فيها تارة مرجعية الكاتب الفكرية وتارة أخرى تناصه مع غيره ..ومرةأخرى وجهات النظر الجديدة التي يريد أن يؤثث بها الكون ....وأيضاً
..الشاعر يحول اللغة إلى رُقم ٍ أثري يحتاج إلى التنقيب عنه ..إنها حفريات معرفية ..إنه يحتفل بالشعر
يجنبه التسطح ..يعزز معنى الحقيقة ..ويفضح أوجه الأشياء المتعددة ..سأتناول بعض هذه الإجابات/الأسئلة ..كنموذج عن ما سبق ..وأترك الباقي لحضراتكم ..
*(كيف يكون الشعرُ قناعاً..)هذا التساؤل الوجودي يجيب الشاعرفيه عن فرضية بأن الشعر يعتمد على الاستعارات والتشبيه والإحالات وبالتالي الشاعريقنّع الأشياء بلوازم وصفات لاتنتمي إليها إنه يواري ويستر الأشياء ..وهذا مايرفضه كاتبنا من خلال تساؤله
( كيف يكون الشعر قناعاً)
وقد يتساءل البعضلماذا نعتبره وجودي ...الجواب هو أن الشاعر قال(أنقاد إلى العاصفة لأسأل)
إنه يحيلنا إلى العاصفة /والعصف فيه نقض وتغيير وقلب ..
ولكن مالذي يستدعي هذا التساؤل الوجودي ..
إن الشاعر مقتنع تماماً هنا بمقولة /جاكبسون/ حول الشعر
(( اللغة تقول الوجود كما يقول القاضيالقانون واللغة الصحيحة هي خصوصاً تلك التي ينطق بها الشاعر بكلامه الحافل ..أماالكلام الزائف هو كلام المحادثات اليومية ..إن هذا الكلام سقوطٌ وانهيار))
وكذلك هو يحتفل بمقولة النفري( وارني عن اسمي وإلا رأيته ولم ترني)
الشاعر يؤكد من خلال هذا التساؤل الوجودية أن الشعر ليس قناعاً وإنما هو اسقاط للقناع ..
*((وبماذا أنخر صنم الأشياء؟))وهنا الاحتراف في تضمين الفكر بالشعر وتساؤل تقريري..كيف ذلك ..؟
"
يقول ميشل فوكو(( إن عالم الأشياء تخلقه عالم الكلمات))
الكلمة تثبت الشيءوتجعله وثناً لايمكن هدمه مثلاً (( أغصان خضراء ..وأوراق وثمار ..أحدٌ ما أطلق على هذا التمظهر كلمة شجرة / من سماها شجرة ..ولماذا الشين والجيم والراء
فعلاًعالم الأشياء تخلقه عالم الكلمات ..
الكلمات تثبت الأشياء وتجسد الشيء بوثن اسمه الكلمة ..
الكاتب يقول بماذا أنخر صنم الأشياء ...هذا سؤال تقرري كأنه يقول لايمكن أن نبني عالمنا وأشياءنا إلا بالكلمات وهو يبحث عن تلك الكلمات التي لم ينطق بها احدٌ سواه لينتج لنا عالماً جديداً من الأشياء ...
والكاتب هنا يتوافق معماقاله الدكتور نسيم خوري(الشعر هو تعبير يعيد إنتاج الكوندون التخلي عن حيثياته ..)
*((أنثاي مكانلايأتي ))
ابتداءً من هذا النسق يوجه ويحدد الكاتب جهة تساؤلاته إنه يحدد مسير العاصفة
فالمكان لايأتي بل يؤتى ..والمكان هو الذي يخلق الزمان فلولاالمكان لم يوجد قبل أو بعد /التزامن /
أنثاي = المنفعل /المتولد / المعطي ..في داخل الشاعر ..إنها ذاته برغباتها وجموعها وإبداعها ...
السيدات والسادة سأترك لكم باقي مناجم الأنساق فيهذا النص للولوج في عمقها وأتابع
ملاحظة :
أيها السيدات والسادة :
مانقوله وجهة نظر.. ليس شروط أو قوانين ولكنه تفسير لعظمة الشاعر والقصيدة ..
هذا التفسير يتناول (( كيف يعني النص )) وليس ماذا يعني
وكما يقول ريتشاردز صاحب نظرية الأدب (مايهمنا القصيدة وليس ماتقوله
القصيدة )