سالم عايش
ـــــــــــــــ
* * *
أُرحبُ بك يا صديقي كثيْراً ،
وَ بمَا تُضيءُ به فِكر .
:
أذكرُ لي إجابَة علَى سؤَالٍ عَن الرمزيّة أراهُ مُناسباً لطرْحك الوضّاء :
" أُعرّج على مصطلح [ الرمزيّة ] الذي يعتقده البعض [ غموضاً ]
ولا ألومُ بذلك [ البعض ] بل اللوم يقع أولاً وأخيراً على من أصّلَ ذَلك
بإطللاقه هذا المصطلح قاصِداً فيهِ [ الغموض ] ، وَ في ذلك خطَأٌ وَ جهلٌ ..
لأنّ [ الرمزية ] تختلف تماماً عن [ الغموض ] ، بمَعنى :
أنْ ليس كلّ نصٍ غامض ، رمزيّ - بالضرورة - مع ضرورة غموض كلّ نصٍ رمزيّ ،
وَ بِمَا أنّ الأول مُنتفِ الحضور في النصّ الشعبي فلم يبقَ إلاّ النص الغامض - فقط - ..
وعنه أقول :
لم تكن قضية الغموض حديثة الشعر ، بل مُتجذّرة بجذوره الأولى
و تحدث عن ذلك النقد القديم مُسهباً و مُقسّما و رآه بعضهم شرطاً من شروط الشعر
إذ " استحسن الجرجانيّ الغموض في الشعر وليس بأي غموض، بل ذالكم الغموض المبني على التعقيد
الفني الذي ينم عن قدرة فنية فذة، فرأى أن وضوح المعنى لا يتعارض مع المعنى اللطيف الذي يتوصل
إليه بشيء من التفكير "
ويؤكد الجرجانيّ " أن الصورة لا بد أن تتميز بشيء من الغموض من خلال تباعد أطرافها مع كون هذا
التباعد مقبولاً عقلاً ولذلك فعبد القاهر يشبه هذا النوع من الغموض في الصورة والغوص على معناه
بالجوهرة النفيسة داخل الصدفة فلا يحصل عليها إلا ببذل الجهد لشق هذه الصدفة فيبعث الطلب الممزوج
بالمشقة في النفس فرحاً وأنساً إذا ما تحصّل المطلوب "
:
عندما سئل أبو تمام بـ :
- لماذا تقول مالا يُفهم ؟
أجاب بـ :
- لماذا لا تفهم ما يُقال ؟
هنا أسّس بإجابته قاعدةً أخرى لقراءة الشعر ، تختلف عن تلك المُبَاشَرة
بالفهم التي أنتجتها المُباشَرة بالقول ...
لأنّ الشعر كائنٌ حيّ لا يمكنه إلاّ التعايش مع زمانه و في مكانه ، وفي هذا
العصر المليء بالنظريات و المدارس الفكرية كان لزاماً على الشعر أنْ يتجرّد
من الوضوح الفاضح و يكتسي بالغموض الواضح ليواكب الحياة و به نحيا ."
:
وَ أُضيف على قَولك عَن التوغّل أنّه مَاكَان في شَيءٍ إلاّ سَاءَه ، لَكنّ المشْكلة
فيهِ أنّ الحُكم بهِ نسْبيّ يتفاوتُ بتَفاوت خلفيّاتِ مُصْدريه الثقافيّة .
:
شُكراً بحب .