من خدع المطر .. وأغراه بالهطول ؟! من نافق الصبح ليضحك في عيون الشجر ؟! متى كان عرس المساء فأنجب كل هذه النجوم واسترزق القمر ؟! ، ظلك يتيم لم يرضع حليب الشمس من زمن .. مرآتك تكاثر فيها الدود .. فما عادت تسمع قرع ملامحك ، وحيدٌ أنت هنا .. تحتملك سجادة ذليلة .. بين جدران نفخها المصباح .. ونافذة كادت تقتلها الخنساء لولا أن تداركتها بالنسيان ، كلنا يقضي عمره ينتظر أمراً ما .. لكن محزوناً مثلك ماذا ينتظر ؟!
من يطرق بابي ؟ الرياح سافرت بعدما شققت وجهك بالذكريات .. وحدثتك عن ماء مسحور لا يمرض ولا يشيخ .. الأرصفة تركتَها نائمة عند مشايخ الطرقات توبخها على غنجها المشهود .. الأصدقاء تلقفتهم أفواه الليالي والأيام ولفظتهم بوجوه صغيرة وآذان مسدودة ، لعله أملٌ جديد فرّ من لعاب ذئب .. ليظل يلعقك باقي العمر .. أو لعلها فاجعةٌ أخرى تقدّ قلبك من دُبر ، إن أصابعنا لا تكفي لعدّ فواجعنا .. لكن إصبعاً واحداً يكفي لأن نشير إليها .
بِتَ تخاف الأبواب .. هي وحدها من تجمع الفصول الأربعة خلفها .. فلا تدري بأي فصل ستلقاك وأنت تدير أكرتها ، تنتصب كدجال بعين واحدة .. يظن نفسه إله .. يتصرف في أقدار البشر .. لكن يعاقبها الله بالنمل والدود ينخر فيها ، تنفتح أمامنا كتاريخ ممتد .. يحفظ أسرارنا .. يتكئ على خدّ الجدار ليرى لقاءتنا .. وداعنا لأحبابنا .. وفيها مثل الشماتة ، إننا نقضى حياتنا بين غمض أجفانها وفتحها .. ونغفل عن مكرها وخبثها .
انهض .. فالأبواب لا تحب الإنتظار .. وأنت لن تخسر أكثر ، قدرك أن تمشي على حافة السؤال .. أن تُرضع الدقائق لون الشفق .. أن تشرب دم المسافة وتمد يديك لفم الحكاية ، تُجلس الفجر على الكرسي هناك .. تُثرثر في أذنه .. فإن نام أيقظه آخر ، ما عدت تشتهي رائحة القمر .. ولا كؤوس الفكر من يد الشجر ، تُغيظك عيون المكان .. تلعنها .. فتكبر وتكبر .. ثم تجثو أمامك تبكي .
الطَرق ولادة .. يُخرجك من راحة الظلام إلى نكد الضياء .. يُفزعك كلحظة قصاص .. يهدمك كقضية فاشلة .. ماذا يريد طارق ينحر أقمصة الليالي ؟ عليك أن تخلع وجهك وتلبس ابتسامة باهتة .. أن تبحث في قاموسك عن كلمات استقبال لائقة .. أن تقنع قدميك بالخطو ، وفيم هذا العناء .. ما عاد شئ يهم .. أختك مضت .. هي قالت ذات مساء (( بعدي يا حبيبي .. لن يأتيك أحد ))