"
منذ البدء.. وهذا النص يشيء لنا باندياحات شعورية لا متنهاية النبض، ويدخل المشهد الحركي فيه كواحدٍ من أهم محفزات القصيدة لدى فيصل المهلكي. منذ البدء ومفردة (تنفس) تعلن انطلاق ماراثون التجلي في رائيةٍ تزدحم أشطرها بلغة متعبة نعم، إلا أنها تحمل من رفاهية الحب والحنين ما لم تقدر على حمله تجارب طوال مع شعراء أرادوا يوماً تفسير الحب.. وسقطوا..!
:
دعوني أتأمل وإياكم شيئاً من مرابط الجمال ونجترها معاً من عنق القصيدة الغناجة..
[poem="font="simplified arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=1 align=center use=ex num="0,black""]تنفّس صباح الماء لو اكتظّ صدر البور=من رمال واشباه الحنين وغصن قمري[/poem]
فمثلاً في جملة (صباح الماء ـ صدر البور) تلاقٍ طبيعي يظهر داخل اللغة الشعرية بحرفنةٍ عالية من فيصل، فكل شيء هنا قرين وملازم لما يليه، فالماء لزمة الأراضي البور، وهو حلمها الذي تنوي بفضله التشكل من جديد، وتتمنى الخروج من العدم الوضعي لتستحيل لأرض خصبة بفعل حلمها بالماء. وما الصباح إلا صدر في حقيقة الأمر، فالموظف سيحتضنه صدر الوظيفة، والطالب باتجاه حضن المدرسة أو باحتها، والطفل الصغير عادة ما يبدأ بالصياح والبكاء والعويل عند أول الصباح، فليس له من طوق نجاةٍ وقتها إلا صدر الأم. لاحظ أنك بعد المشهد الطبيعي منساق إلى نواحٍ عضوية لا مرئية في الشطر الثاني الذي يتمم أول بيت للقصيدة:
(من رمال واشباه الحنين وغصن قمري)
لقد اكتمل المشهد الذي أراد فيصل المهلكي تصويره في جملة البيت الأول، فبعد البور أصبحت الرمال، وليست كل الرمال بائرة، إلا أن فاعلية (الماء) التي بدأ بها الشاعر مشهده الإبداعي قد أتت أكلها، وصنعت من البور رمالاً، والرمال أنجبت (الغصن) فيما بعد، وكذلك كان (الصدر) الذي انطلق مع الصباح باكراً قد أدى دوره فيما بعد، وبدر من (الحنين) الذي سيطفئ ناره في ليل عاشقيْن افترقا، حتى وإن جاء الحنين على صيغة جسد شعوري ولم ييتأتى للقلب بمعناه الحقيقي الصرف. في المقابل يبرز الليل عبر مفردة (قمري) التي هي أيضاً وليدة كلمة (الصباح) في صدر البيت نفسه.
كل هذه المتلازمات تشير إلينا بوجود شاعرٍ غير عادي، وأنا هنا أفنّد شيئاً من رؤية وحيدة تنحصر في زاوية واحدة تجلت لي من خلال البيت الأول، وثمة تجليات أخرى عديدة تظهر إلى جوار ما كتبت هنا. ما يعني أن لهذا النص عوالم كثيرة تمتع النفس وتصقل الذائقة.
يحق لأبعاد أن تفتخر كثيراً بوجود قامة شعرية فذة متمثلة في فكر وإبداع فيصل المهلكي، وهذا النص بكل تأكيدٍ هو وليمة شهية لأصحاب التنظير، وقطعة فسيفساءٍ نادرة سأتمتع مع الأيام بتكثيف رؤيتي الانطباعية حولها.
شكراً فيصل.. وكل عامٍ وأنت شاعر مختلف والله.
"