نصٌّ فارِهٌ جدًّا يا جِنـان.
مشبَعٌ بالحرفِ الجميل, وجنباتُه مليئَة بالتّرفِ.
الجميلُ في شعرِك يا كريمَة, عنصُر المفاجأة, والدهشَة, والانسيابيّة ..
فالتنقّل في نصّك بينَ الأفكـارِ يجيءُ مناسبًا رقيقًـا.
" وَ مُنْذُ [ أنَا ] ..
يُصافِحُنِي الغِيَابُ ولا يَفُكُّ يَدِي
ويَقرَأُهُم عَلى .. كَفِّي
خُطوطُ الشوق فَوقَ الكَفِّ بَوْصَلَةٌ
تُشِيْرُ إلى ..
شِمَالِ الفَقْدِ يا [ أُمِّي ] "
المشهد الذي يجسّدهُ هذا المقطَع, فريدٌ/مؤلِمٌ جدًّا.
كأنّي بالنفس الشعريّة تريدُ أن تهرُبَ عن الأشيـاءِ التي تبعَثُ الأحزانَ, وكفّ الحزنِ رجلٌ قاسٍ لا يترُك شيئًا يهرب.
التشية بالبوصلَة أتَى موفّقًـا إذا أنّ كلّ اليدِ تشيرُ إليهم وحدَه, هذا المقطَع يحقّ لنـا أن نحتفِي بهِ كثيرًا كثيرًا.
" عَلى كَتِفِ انكِساراتِي
وخَلْفَ الشَّارِعِ المَنْسِيِّ أَسْئِلَةٌ
توزِّعُني ..
عَلى كُلِّ المِساءَاتِ الّتي نَزحَت ..
عَلى عَيني .. "
الصّورَة الفريدَة, تميّز هذا المقطَع بشكلٍ واضِح.
تجسيد اللامحسوس, وجعله من الذين يقرّرون في التوزيع, أمرٌ شعريٌّ بحتٌ يا جمان.
سؤالٌ واعذرِي جهلِي/ أليسَ الأحقّ أن نتبعَ نزحَت بِ إلى بدلاً من على؟
نصّكِ فريدٌ يا جمان, وطافِحٌ بالجمالِ والرقّة والعذوبَة.
راقنِي استخدامُكِ وتكرارُكِ لِ لفظَة ( أمّي ) وكأنّهـا رصاصَةٌ تأتِي لتردِي القارِئ في بحرِ هذا النصّ الرائِع.
وقولُكِ ( ومنذ أنـا ) رائِعٌ فيهِ من الشاعريّة الشيء الكثير.
أزعمُ قليلاً أنّكِ كنتِ ستجدينَ لفظَةً أشدّ شاعريّة من ( جدّاتِي ).
شكرًا لأنّكِ تمطرينَ الشعرَ كما ينبغِي, شكرًا لكِ جدًّا.