:
لا أعْلمُ - حقيْقةً - أهيَ مِن مَحاسِن الصُدَفِ أم مِن مَساوئهَا ، أنْ آتيْ بِهَذا المُقتَبسِ
مِن كِتاب التوحيْديّ [ أخلاق الوزيرين ] ، لكنّني على ثقةٍ بأنّ اتهَامكَ بالسّوء فيْ
أمْرٍ كَهذا ، هُوَ قمّة الحُسن :
" سمعت شيخا عنده - أي عند أبي أحمد العلوي أمير المدينة - من بني حرب قد أنشد أبياتا ،
لم أعلق منها إلا بيتا واحدا ، وهو :
فتى خلقت أرواحه مستقيمة
ـــــــ له نفحات ريحهن جنوب
و كان معنا إذ ذاك أبو صالح الرازي الصوفي ، و كان مفوها جدلا .
فقال له : ماذا أراد بقوله " أرواحه مستقيمة " ؟
قال : أراد أن أخلاقه لا تحول عن الخير ، وعادته لا تريغ إلى القبيح ، و أنه على ديدنه في الكرم ،
و خص الجنوب لاستدرارها السحاب ، و جعل نفحاتها منافع لهذا الذي مدح به ".
ثم قال أبو حيان : و سمعته ، أعني الحربي ، يقول للأمير أبي أحمد في حديث طويل : أيها الأمير !
لني ولية تمرع جنابي فإنني
ـــــــ لما نلت من وسمي نعماك شاكر
قلت : أعد علي نسيج قافيتك
قال : أما ثقفته ؟
قلت : ما أدري ما تقول
قال : لعلك من هذه الفرقة الكلامية
قلت : لعله
ثم قال أبو حيان " و سمعت هذا الحربي يقول ، و كان يكنى أبا الخصيب ، لسيد حيه ،
و هما بالعقيق على ضفة الوادي و قد مد - أي امتلأ - و هما ينطقان بما أحصل و لا أحصل ،
حتى قال أبو الخصيب لصاحبه :
يا هذا ! اسل عن طارفك و تالدك ، تسد بين صاحبك و وافدك ، أما سمعت هذه القوافي الأول :
لو كنت تعطى حين تسأل سامحت
ـــــــ لك النفس و احلولاك كل خليل
فرددت القافية ، و قلت : " و استحلاك كل خليل "
فقال لي منكرا : ما هكذا لغتي ! "