كادت عينيه أن تلتهمني
فهزتني ربكة غير ظاهرة ؛
مما حدى بي إلى أسناد ظهري على صدر الكنب والتظاهر بإللامبالاة بماشعرت به .
هل عرفني ؟ - دار سؤال في رأسي -
لا بد أنه قد عرفني وإلا ماتفسير هذه النظرة المتوثبة ؟ . ثمًا لم تكن تفصل بيننا إلا خطوات حين ما كادت سيارتي أن تصطدم به .
حاولت تجاهل وجوده بجانبي ؛ بالنظر إلى سارية العمود الكهربائي الذي تلفّه العديد من الشمعات الصغيرة التي تؤمض بألوان متعددة زاهية
ولكن في حقيقة الأمر لم يعد يعنيني سواه في هذا الحفل .
أن عدم تصالح الإنسان مع ما يحس به لا ينتج عنه إلا تكريس للأحساس ذاته وتملكه للآفاق من حوله حتى لو نفا ذلك .
مرّرت نظرة قريبة منه فيما أتظاهر بمتابعة إحدى الشاشات العظيمة التي وضعت أمام برزة العريس لنقل كافة أحداث الحفل بكل دقة
استغليت إنشغاله بهاتفه الخلوي وأختلست إليه نظرة .
وجةُ واضح الملامح تتلبسه الوسامة كأن شطر الذكورة قد منح له دون سواه أنفٍ مستقيم في نهايته أهيف عينان متوسطة الحجم صافية البياض والسواد ذقنٍ يشبه بكورة الهلال ؛ لحيةٍ كثيفةٍ قصيرة ؛ شعرها بين المسلسل والمجعّد شديد السواد بما يعط لمعة عند مواقع الكثافة .
مرّ بنا حامل فناجين الشاي أغلب الجالسين مدوا ايديم وتناولوا نصيبهم إلا هو لم يشارك .
جبلً من الصّمت . حاولت تحريك هذا الجبل بقولي
ما شاء الله أن هؤلاء الصبية الصغار مبعث للبهجة - قلت ذلك – محاولة لكسرمابيننا من وحشة
لم ينطق ببنت شفه !.
قد سمعت بأن تقارب الجنوب يولد المعرفة بالأحاسيس بين المتجانبين .
بيد أنه لم ينتابني إحساسٍ محدد !.
تذكرت نصيحة من والدي رحمه الله حين قال : لا تدع الظروف تصنع لك أعداء .
وهذا الرجل لم يقبل إعتذاري ولم يتجاوب مع محاولتي في كسر حاجز الصمت أو الريبة .
أضاءُ هاتفه فألتفت له وكان يهتز الهاتف في يده ويضئ أعطأ الهاتف نظرة سريعة
ثم بدأ يكتب يبدو أنه يرد على رسالة . عجبت من حركة أنامله على لوحة المفاتيح فهو يكتب بطريقة أسرع مما أتخيل أنتابني معها الشّك بأنه لا يكتب شيء بل يعبث ليس إلاّ .
أنامله رشيقة ومرنة مع لوحة المفاتيح بشكل ملفت حتى أنه عند تنفيذ الرسالة لم المحها لخفتها .
أخرجت هاتفي وكدت أحاول تقليده ولكني خشيت أن يراني أقوم بتقليده .
فتظاهرت بأني أرتقب ساعة الوقت .
من المتعارف عليه ان الأطفال يقلدون ما يرونه . ولكننا نتجاهل أن الكبار أحيانا ليس ببعيد عنهم فهم يفعلون مثل مايفعلوا الأطفال بشكل أو بآخر .
وضعت أمام مقصورة العريس طاولة وعددا من المقاعد وأوصلت بالطاولة خيوطا كهربائية ومكرفونات أتضح لنا في مابعد بأن هناك شعراء سيلقون قصائد بهذه المناسبة .
وليقيني بأن الشعر أدب يذيب جليد القطعية بين الناس مثل مايضاعف من سُمكه .
التفت لصاحبي وقلت ما شاء الله حضر سيّد الأدب سنستمتع بشعرٍ هذه الليلة .
لكنه لم يعلق على ماقلت مع أنه التفت نحوي وعاد مثل ماكان يعبث بهاتفه !
يا إلهي كل هذا غضب يحتويه ناحيتي !. لم يبالي بأعتذاري في موقع الحدث ولا حتى يتجاوب معي في داخل الحفل . لم أصادف من قبل إنسان بهذا النزق – قلت ذلك في نفسي –
بدأوا الشعراء في القاء قصائدهم . والتهبت الأكفّ بالتصفيق تفاعلا مع الشعر. إلا صاحبي لايبدي أي ردة فعل !.
لمحت بين الشعراء شابا صغيرا قدّم نصا شعريا رائعا صفقت بحرارة وقلت وأنا أتذكر نصيحة والدي ماشاء الله رائعا هذا الشعر رائع وهذا الشاب بالتأكيد سيكون له شأن وأنا ألتفت لصاحبي وأبتسم . بادلني نظرة خاطفة لا توحي بشيء ثم عاد يعبث بهاتفه .
ولكن لقناعتي بأن الذين لا يقبلوا بعذر المعتذر لا يزيدون على ذلك . أشغلت تفكيري بعيدٍ عنه بالفعل .
فكرت في حال سعيد وماتحمّل من تكاليف هذا الحفل ؛ أنتابني شيءا من الأسى بالرغم من الفرح الذي يحفّ المكان .
سحبتني من تفكيري بسعيد حركة سريعة من الجبل الصامت الذي بجواري كأنه يهوي إلى قدمي !
وجدت نفسي أهوي معه حيث هوى قرب أقدامي فإذا بهاتفه قد سقط من يده تحت أقدامي مددت يدي إلى الهاتف وناولته أياه . انتزعه من يدي والخجل يكسؤ وجهه وتمتم بصوت لم أفهمه
أستوضحت منه ؟ فكان مالم يكن في الحسبان ! الرجل لا يسمع ولا يتكلّم .
تـمّـت